ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب جعل التخلص إلى مناقب
سليمان - عليه السلام - من جهة أنه من منن الله على
داود - عليه السلام - ، فكانت قصة
سليمان كالتكملة لقصة
داود . ولم يكن لحال
سليمان - عليه السلام - شبه بحال
محمد صلى الله عليه وسلم - ، فلذلك جزمنا بأن لم يكن ذكر قصته هنا مثالا لحال
محمد - صلى الله عليه وسلم - وبأنها إتمام لما أنعم الله به على
داود إذ أعطاه
سليمان ابنا بهجة له في حياته وورث ملكه بعد مماته ، كما أنبأ عنه قوله تعالى
ووهبنا لداود سليمان الآية .
ولهذه النكتة
لم تفتتح قصة سليمان بعبارة : واذكر ، كما افتتحت قصة داود ثم قصة
أيوب ، والقصص بعدها مفصلها ومجملها غير أنها لم تخل من مواضع أسوة وعبرة وتحذير على عادة القرآن من افتراض الإرشاد .
ومن حسن المناسبة لذكر موهبة
سليمان أنه ولد
لداود من المرأة التي عوتب
داود لأجل استنزال زوجها
أوريا عنها كما تقدم ، فكانت موهبة
سليمان لداود منها مكرمة عظيمة هي أثر مغفرة الله
لداود تلك المخالفة التي يقتضي قدره تجنبها وإن كانت مباحة ، وتحققه لتعقيب الأخبار عن المغفرة له بقوله
وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب فقد رضي الله عنه فوهب له من تلك الزوجة نبيئا وملكا عظيما .
فجملة
ووهبنا لداود سليمان عطف على جملة إنا سخرنا الجبال معه وما بعدها من الجمل .
وجملة " نعم العبد " في موضع الحال من
سليمان وهي ثناء عليه ومدح له من جملة من استحقوا عنوان العبد لله ، وهو العنوان المقصود منه التقريب بالقرينة
[ ص: 254 ] كما تقدم في قوله تعالى
إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم في سورة الصافات .
والمخصوص بالمدح محذوف لدلالة ما تقدم عليه وهو قوله سليمان والتقدير : نعم العبد
سليمان .
وجملة " إنه أواب " تعليل للثناء عليه ب " نعم العبد " ، والأواب : مبالغة في الآيب أي كثير الأوب ، أي الرجوع إلى الله بقرينة أنه مادحه . والمراد من الأوب إلى الله : الأوب إلى أمره ونهيه ، أي إذا حصل له ما يبعده عن ذلك تذكر فآب ، أي فتاب ، وتقدم ذلك آنفا في ذكر داود .