إن ذلك لحق تخاصم أهل النار تذييل وتنهية لوصف حال الطاغين وأتباعهم ، وعذابهم ، وجدالهم .
وتأكيد الخبر بحرف التوكيد منظور فيه لما يلزم الخبر من
التعريض بوعيد المشركين وإثبات حشرهم وجزائهم بأنه حق ، أي : ثابت كقوله
وإن الدين لواقع .
[ ص: 294 ] والإشارة إلى ما حكي عنهم من المقاولة . وسميت المقاولة تخاصما ، أي : تجادلا وإن لم تقع بينهم مجادلة ، فإن الطاغين لم يجيبوا الفوج على قوله
بل أنتم لا مرحبا بكم ولكن لما اشتملت المقاولة على ما هو أشد من الجدال وهو قول كل فريق للآخر
لا مرحبا بكم كان الذم أشد من المخاصمة فأطلق عليه اسم التخاصم حقيقة . وتقدم ذكر الخصام عند قوله تعالى
هذان خصمان في سورة الحج .
وأضيف هذا التخاصم إلى أهل النار كلهم بغالب أهلها لأن
غالب أهل النار أهل الضلالات الاعتقادية وهم لا يعدون أن يكونوا دعاة للضلال أو أتباعا للدعاة إليه فكلهم يجري بينهم هذا التخاصم ، أما من كان في النار من العصاة فكثير منهم ليس عصيانهم إلا تبعا لهواه مع كونه على علم بأن ما يأتيه ضلالة لم يسوله له أحد .
وأهل النار هم الخالدون فيها ، كقولهم : أهل قرية كذا ، فإنه لا يشمل المغترب بينهم ، على أن وقت نزول هذه الآية لم يكن في
مكة غير المسلمين الصالحين وغير المشركين ، فوصف أهل النار يومئذ لا يتحقق إلا في المشركين دون عصاة المسلمين .
وقوله
تخاصم أهل النار إما خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : وهو تخاصم أهل النار ، والجملة استئناف لزيادة بيان مدلول اسم الإشارة ، أو هو مرفوع على أنه خبر ثان عن إن ، أو على أنه بدل من " لحق " .