الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
وقع قوله :
الله ولي الذين آمنوا الآية . موقع التعليل لقوله
لا انفصام لها لأن الذين كفروا بالطاغوت وآمنوا بالله قد تولوا الله تعالى فصار وليهم ، فهو يقدر لهم ما فيه نفعهم وهو ذب الشبهات عنهم فبذلك يستمر تمسكهم بالعروة الوثقى ويأمنون انفصامها ، أي : فإذا اختار أحد أن يكون مسلما فإن الله يزيده هدى .
والولي : الحليف . فهو ينصر مولاه . فالمراد بالنور نور البرهان والحق ، وبالظلمات ظلمات الشبهات والشك ، فالله يزيد الذين اهتدوا هدى لأن اتباعهم الإسلام تيسير لطرق اليقين ، فهم يزدادون توغلا فيها يوما فيوما ، وبعكسهم الذين اختاروا الكفر على الإسلام فإن اختيارهم ذلك دل على ختم ضرب على عقولهم فلم يهتدوا فهم يزدادون في الضلال يوما فيوما ، ولأجل هذا الازدياد المتجدد في الأمرين وقع التعبير بالمضارع في
يخرجهم و
يخرجونهم وبهذا يتضح وجه تعقيب هذه الآيات بآية :
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم ثم بآية :
أو كالذي مر على قرية ثم بآية :
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى فإن جميعها جاء لبيان وجوه انجلاء الشك والشبهات عن أولياء الله تعالى الذين صدق إيمانهم ، ولا داعي إلى ما في الكشاف وغيره من تأويل الذين آمنوا والذين كفروا بالذين أرادوا ذلك ، وجعل النور والظلمات تشبيها للإيمان والكفر ، لما علمت من ظهور المعنى بما يدفع الحاجة إلى التأويل بذلك ، ولا يحسن وقعه بعد قوله :
فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ولقوله :
والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات فإنه متعين للحمل على زيادة تضليل الكافر في كفره بمزيد الشك كما
[ ص: 31 ] في قوله :
فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله إلى قوله :
وما زادوهم غير تتبيب ولأن الطاغوت كانوا أولياء للذين آمنوا قبل الإيمان فإن الجميع كانوا مشركين ، وكذلك ما أطال به فخر الدين من وجوه الاستدلال على
المعتزلة واستدلالهم علينا .
وجملة ( يخرجهم ) خبر ثان عن اسم الجلالة ، وجملة ( يخرجونهم ) حال من الطاغوت ، وأعيد الضمير إلى الطاغوت بصيغة جمع العقلاء لأنه أسند إليهم ما هو من فعل العقلاء وإن كانوا في الحقيقة سبب الخروج لا مخرجين ، وتقدم الكلام على الطاغوت عند قوله تعالى :
فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى