يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث بدل من جملة خلقكم من نفس واحدة وضمير المخاطبين هنا راجع إلى الناس لا غير وهو
استدلال بتطور خلق الإنسان على عظيم قدرة الله وحكمته ودقائق صنعته .
والتعبير بصيغة المضارع لإفادة تجدد الخلق وتكرره مع استحضار صورة هذا التطور العجيب استحضارا بالوجه والإجمال الحاصل للأذهان على حسب اختلاف مراتب إدراكها ، ويعلم تفصيله علماء الطب والعلوم الطبيعية وقد بينه الحديث عن النبيء - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002252إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح .
وقوله
خلقا من بعد خلق أي طورا من الخلق بعد طور آخر يخالفه وهذه الأطوار عشرة :
الأول : طور النطفة ، وهي جسم مخاطي مستدير أبيض خال من الأعضاء يشبه دودة ، طوله نحو خمسة مليمتر .
الثاني : طور العلقة ، وهي تتكون بعد ثلاثة وثلاثين يوما من وقت استقرار النطفة في الرحم ، وهي في حجم النملة الكبيرة ؛ طولها نحو ثلاثة عشر مليمترا يلوح فيها الرأس وتخطيطات من صور الأعضاء .
[ ص: 334 ] الثالث : طور المضغة وهي قطعة حمراء في حجم النحلة .
الرابع : عند استكمال شهرين يصير طوله ثلاثة صانتميتر وحجم رأسه بمقدار نصف بقيته ولا يتميز عنقه ولا وجهه ويستمر احمراره .
الخامس : في الشهر الثالث يكون طوله خمسة عشر صانتميترا ووزنه مائة غرام ويبدو رسم جبهته وأنفه وحواجبه وأظافره ويستمر احمرار جلده .
السادس : في الشهر الرابع يصير طوله عشرين صانتميتر ووزنه 240 غرامات ، ويظهر في الرأس زغب وتزيد أعضاؤه البطنية على أعضائه الصدرية وتتضح أظافره في أواخر ذلك الشهر .
السابع : في الشهر السادس يصير طوله نحو ثلاثين صانتميتر ووزنه خمسمائة غرام ويظهر فيه مطبقا وتتصلب أظافره .
الثامن : في الشهر السابع يصير طوله ثمانية وثلاثين صانتميترا ويقل احمرار جلده ويتكاثف جلده وتظهر على الجلد مادة دهنية دسمة ملتصقة ، ويطول شعر رأسه ويميل إلى الشقرة وتتقبب جمجمته من الوسط .
التاسع : في الشهر الثامن يزيد غلظه أكثر من ازدياد طوله ويكون طوله نحو أربعين صانتميتر ، ووزنه نحو أربعة أرطال أو تزيد ، وتقوى حركته .
العاشر : في الشهر التاسع يصير طوله من خمسين إلى ستين صانتميتر ووزنه من ستة إلى ثمانية أرطال . ويتم عظمه ، ويتضخم رأسه ، ويكثف شعره ، وتبتدئ فيه وظائف الحياة في الجهاز الهضمي والرئة والقلب ، ويصير نماؤه بالغذاء ، وتظهر دورة الدم فيه ؛ المعروفة بالدورة الجنينية .
و " الظلمات الثلاث " : ظلمة بطن الأم ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة ، وهي غشاء من جلد يخلق مع الجنين محيطا به ليقيه وليكون به استقلاله مما ينجر إليه من الأغذية في دورته الدموية الخاصة به دون أمه .
وفي ذكر هذه الظلمات تنبيه على
إحاطة علم الله تعالى بالأشياء ونفوذ قدرته إليها في أشد ما تكون فيه من الخفاء .
[ ص: 335 ] وانتصب " خلقا " على المفعولية المطلقة المبينة للنوعية باعتبار وصفه بأنه
من بعد خلق ويتعلق قوله
في ظلمات ثلاث بـ " يخلقكم " .
وقرأ الجمهور " أمهاتكم " بضم الهمزة وفتح الميم في حالي الوصل والوقف . وقرأه
حمزة في حال الوصل ، بكسر الهمزة ، إتباعا لكسرة نون " بطون " وبكسر الميم إتباعا لكسر الهمزة . وقرأه
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي بكسر الميم في حال الوصل مع فتح الهمزة .