فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد .
هذا الكلام متاركة لقومه وتنهية لخطابه إياهم ولعله استشعر من ملامحهم أو من مقاطعتهم كلامه بعبارات الإنكار ، ما أيأسه من تأثرهم بكلامه ، فتحداهم بأنهم إن أعرضوا عن الانتصاح لنصحه سيندمون حين يرون العذاب إما في الدنيا كما اقتضاه قوله
إني أخاف عليكم يوم التناد ، فالفاء تفريع على جملة
ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار .
وفعل ( ستذكرون ) مشتق من الذكر بضم الذال وهو ضد النسيان ، أي ستذكرون في عقولكم ، أي ما أقول لكم الأن يحضر نصب بصائركم يوم تحققه ، فشبه الإعراض بالنسيان ورمز إلى النسيان بما هو من لوازمه في العقل ملازمة الضد لضده وهو التذكر على طريقة المكنية وفي قرينتها استعارة تبعية .
والمعنى سيحل بكم من العذاب ما يذكركم ما أقوله : إنه سيحل بكم .
وجملة
وأفوض أمري إلى الله عطف على جملة
ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ، ومساق هذه الجملة مساق الانتصاف منهم لما أظهروه له من الشر ، يعني : أني أكل شأني وشأنكم معي إلى الله فهو يجزي كل فاعل بما فعل ، وهذا كلام منصف فالمراد ب ( أمري ) شأني ومهمي .
[ ص: 157 ] ويدل لمعنى الانتصاف تعقيبه بقوله
إن الله بصير بالعباد معللا تفويض أمره معهم إلى الله بأن الله عليم بأحوال جميع العباد فعموم العباد شمله وشمل خصومه .
وقال في الكشاف : قوله
وأفوض أمري إلى الله لأنهم تواعدوه اهـ . يعني أن فيه إشعارا بذلك بمعونة ما بعده .
و العباد الناس يطلق على جماعتهم اسم العباد ، ولم أر إطلاق العبد على الإنسان الواحد ولا إطلاق العبيد على الناس .
والبصير : المطلع الذي لا يخفى عليه الأمر . والباء للتعدية كما في قوله تعالى
فبصرت به عن جنب ، فإذا أرادوا تعدية فعل البصر بنفسه قالوا : أبصره .