إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار .
كلام مستأنف وهو
استخلاص للعبرة من القصص الماضية مسوق لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ووعده بحسن العاقبة ، وتسلية المؤمنين ووعدهم بالنصر وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة . وذلك أن الكلام من ابتداء السورة كان بذكر
مجادلة المشركين في القرآن بقوله تعالى
ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا وأومأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن شيعهم آيلة إلى خسار بقوله
فلا يغررك تقلبهم في البلاد ، وامتد الكلام في الرد على المجادلين وتمثيل حالهم بحال أمثالهم من الأمم التي آل أمرها إلى خيبة واضمحلال في الدنيا وإلى عذاب دائم في الآخرة ولما استوفى الغرض مقتضاه من إطناب البيان بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم عقبه أنه ينصر رسله والذين آمنوا في الدنيا كما دل عليه قوله في آخر الكلام
فاصبر إن وعد الله حق .
وقد علم من فعل النصر أن هنالك فريقا منصورا عليهم الرسل والمؤمنون في الدنيا والآخرة ، ومن المتعين أنهم الفريق المعاند للرسل وللمؤمنين ، فنصر الرسل والمؤمنين عليهم في الدنيا بإظهارهم عليهم وإبادتهم ، وفي الآخرة بنعيم الجنة لهم وعذاب النار لأعدائهم .
والتعبير بالمضارع في قوله لننصر لما فيه من استحضار حالات النصر العجيبة التي وصف بعضها في السورة ووصف بعض آخر في سور أخرى تقدم نزولها ، وإلا فإن
نصر الرسل الذين سبقوا محمدا صلى الله عليه وسلم قد مضى ، ونصر
محمد صلى الله عليه وسلم مترقب غير حاصل حين نزول الآية .
[ ص: 168 ] وتأكيد الخبر ب ( إن ) وبجعل المسند فعليا في قوله لننصر مراعى فيه حال المعرض بهم بأن الله ينصر رسله عليهم وهم المشركون لأنهم كانوا يكذبون بذلك .
وهذا
وعد للمؤمنين بأن الله ناصرهم على من ظلمهم في الحياة الدنيا بأن يوقع الظالم في سوء عاقبة أو بأن يسلط عليه من ينتقم منه بنحو أو أشد مما ظلم به مؤمنا .
والأشهاد : جمع شاهد . والقيام : الوقوف في الموقف . والأشهاد : الرسل ، والملائكة الحفظة ، والمؤمنون من هذه الأمة ، كما أشار إليه قوله
لتكونوا شهداء على الناس ، وذلك اليوم هو يوم الحشر ، وشهادة الرسل على الذين كفروا بهم من جملة نصرهم عليهم وكذلك شهادة المؤمنين .
و
يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم بدل من
يوم يقوم الأشهاد وهو منصوب على البدلية من الظرف .
والمراد بالظالمين : المشركون . والمعذرة اسم مصدر اعتذر ، وتقدم عند قوله تعالى
قالوا معذرة إلى ربكم في سورة الأعراف .
وظاهر إضافة المعذرة إلى ضميرهم أنهم تصدر منهم يومئذ معذرة يعتذرون بها عن الأسباب التي أوجبت لهم العذاب مثل قولهم
ربنا هؤلاء أضلونا وهذا لا ينافي قوله تعالى
ولا يؤذن لهم فيعتذرون الذي هو في انتفاء الاعتذار من أصله لأن ذلك الاعتذار هو الاعتذار المأذون فيه ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى
فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم في سورة الروم .
وقرأ
نافع وعاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وخلف لا ينفع بالياء التحتية لأن الفاعل وهو ( معذرة ) غير حقيقي التأنيث وللفصل بين الفعل وفاعله بالمفعول وقرأ الباقون بالتاء الفوقية على اعتبار التأنيث اللفظي .
ولهم اللعنة عطف على جملة
لا ينفع الظالمين معذرتهم أي ويوم لهم اللعنة .
[ ص: 169 ] واللعنة : البعد والطرد ، أي من رحمة الله ،
ولهم سوء الدار هي جهنم . وتقديم لهم في هاتين الجملتين للاهتمام بالانتقام منهم .