ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب .
هذا من أوضح مثل نصر الله رسله والذين آمنوا بهم وهو أشبه الأمثال بالنصر الذي قدره الله تعالى للنبيء - صلى الله عليه وسلم - فإن
نصر موسى على قوم فرعون كون الله به أمة عظيمة لم تكن يؤبه بها وأوتيت شريعة عظيمة وملكا عظيما ، وكذلك كان نصر النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين كان أعظم من ذلك وأكمل وأشرف .
فجملة
ولقد آتينا موسى الهدى إلخ معترضة بين
إنا لننصر رسلنا وبين التفريع عليه في قوله
فاصبر إن وعد الله حق ، وأي نصر أعظم من الخلاص من العبودية والقلة والتبع لأمة أخرى في أحكام تلائم أحوال الأمة التابعة ، إلى مصير الأمة مالكة أمر نفسها ذات شريعة ملائمة لأحوالها ومصالحها وسيادة على أمم أخرى ، وذلك مثل المسلمين مع النبيء - صلى الله عليه وسلم - وبعده وهو إيماء إلى الوعد بأن القرآن الذي كذب به المشركون باق موروث في الأمة الإسلامية .
والهدى الذي أوتيه
موسى هو ما أوحي إليه من الأمر بالدعوة إلى الدين الحق ، أي الرسالة وما أنزل إليه من الشريعة وهي المراد بالكتاب ، أي التوراة ، وهو الذي أورثه الله
بني إسرائيل ، أي جعله باقيا فيهم بعد
موسى عليه السلام فهم ورثوه عن
موسى ، أي أخذوه منه في حياته وأبقاه الله لهم بعد وفاته ، فإطلاق الإيراث استعارة . وفي ذلك إيذان بأن الكتاب من جملة الهدى الذي أوتيه
موسى ، قال تعالى
إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ، ففي الكلام إيجاز حذف تقديره : ولقد آتينا
موسى الهدى والكتاب وأورثنا
بني إسرائيل الكتاب ، فإن
موسى أوتي من الهدى ما لم يرثه
بنو إسرائيل وهو الرسالة وأوتي من الهدى ما أورثه
بنو إسرائيل وهو الشريعة التي في التوراة .
و
هدى وذكرى حالان من الكتاب ، أي هدى
لبني إسرائيل وذكرى
[ ص: 170 ] لهم ، ففيه علم ما لم يعلمه المتعلمون ، وفيه ذكرى لما علمه أهل العلم منهم ، وتشمل الذكرى استنباط الأحكام من نصوص الكتاب وهو الذي يختص بالعلماء منهم من أنبيائهم وقضاتهم وأحبارهم ، فيكون
لأولي الألباب متعلقا بذكرى .
وأولو الألباب : أولو العقول الراجحة القادرة على الاستنباط .