[ ص: 224 ] أسلوب سورة غافر .
أسلوبها
أسلوب المحاجة والاستدلال على صدق القرآن وأنه منزل من عند الله ، وإبطال ضلالة المكذبين وضرب مثلهم بالأمم المكذبة ، وترهيبهم من التمادي في ضلالهم وترغيبهم في التبصر ليهتدوا .
وافتتحت بالحرفين المقطعين من حروف الهجاء لأن أول أغراضها أن القرآن من عند الله ففي حرفي الهجاء رمز إلى عجزهم عن معارضته بعد أن تحداهم ، لذلك فلم يفعلوا ، كما تقدم في فاتحة سورة البقرة .
وفي ذلك الافتتاح تشويق إلى تطلع ما يأتي بعده للاهتمام به .
وكان في الصفات التي أجريت على اسم منزل القرآن إيماء إلى أنه لا يشبه كلام البشر لأنه كلام العزيز العليم ، وإيماء إلى تيسير إقلاعهم عن الكفر ، وترهيب من العقاب على الإصرار ، وذلك كله من براعة الاستهلال .
ثم تخلص من الإيماء والرمز إلى صريح وصف ضلال المعاندين وتنظيرهم بسابقيهم من الأمم التي استأصلها الله .
وخص بالذكر أعظم الرسل السالفين وهو
موسى مع أمة من أعظم الأمم السالفة وهم
أهل مصر وأطيل ذلك لشدة مماثلة حالهم لحال المشركين من العرب في الاعتزاز بأنفسهم ، وفي قلة المؤمنين منهم مثل مؤمن
آل فرعون ، وتخلل ذلك ثبات
موسى وثبات مؤمن
آل فرعون إيماء إلى التنظير بثبات
محمد - صلى الله عليه وسلم -
وأبي بكر ، ثم انتقل إلى
الاستدلال على الوحدانية وسعة القدرة على إعادة الأموات .
وختمت بذكر أهل الضلال من الأمم السالفة الذين أوبقهم الإعجاب برأيهم وثقتهم بجهلهم فصمت آذانهم عن سماع حجج الحق ، وأعماهم عن النظر في دلائل الكون فحسبوا أنهم على كمال لا ينقصهم ما به حاجة إلى الكمال ، فحاق بهم العذاب ، وفي هذا رد العجز على الصدر . وخوف الله المشركين من الانزلاق في مهواة الأولين بأن سنة الله في عباده الإمهال ثم المؤاخذة ، فكان ذلك كلمة جامعة للغرض أذنت بانتهاء الكلام فكانت محسن الختام .
[ ص: 225 ] وتخلل في ذلك كله من المستطردات والانتقالات بذكر ثناء الملأ الأعلى على المؤمنين وثنائهم على الكافرين ، وذكر ما هم صائرون إليه من العذاب والندامة ، وتمثيل الفارق بين المؤمنين والكافرين ، وتشويه حال الكافرين في الآخرة ، وتثبيت المؤمنين على إيمانهم وأن الله ناصر رسوله والمؤمنين في الدنيا والآخرة ، وأمرهم بالصبر والتوكل ، وأن شأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كشأن الرسل من قبله في لقيان التكذيب وفي أنه يأتي بالآيات التي أجراها الله على يديه دون مقترحات المعاندين .