[ ص: 262 ] وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون .
بقية التفصيل الذي في قوله فأما
عاد فاستكبروا .
ولما كان حال الأمتين واحدا في عدم قبول الإرشاد من جانب الله تعالى كما أشار إليه قوله تعالى قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة كان الإخبار عن
ثمود بأن الله هداهم مقتضيا أنه هدى
عادا مثل ما هدى
ثمود وأن
عادا استحبوا العمى على الهدى مثل ما استحبت ثمود .
والمعنى : وأما
ثمود فهديناهم هداية إرشاد برسولنا إليهم وتأييده بآية الناقة التي أخرجها لهم من الأرض .
فالمراد بالهداية هنا : الإرشاد التكليفي ، وهي غير ما في قوله ومن يهد الله فما له من مضل فإن تلك الهداية التكوينية لمقابلته بقوله ومن يضلل الله فما له من هاد .
واستحبوا العمى معناها : أحبوا ، فالسين والتاء للمبالغة مثلهما في قوله فاستكبروا في الأرض بغير الحق ، أي كان العمى محبوبا لهم .
والعمى : هنا مستعار للضلال في الرأي ، أي اختاروا الضلال بكسبهم . وضمن استحبوا معنى : فضلوا ، وهيأ لهذا التضمين اقترانه بالسين والتاء للمبالغة لأن المبالغة في المحبة تستلزم التفضيل على بقية المحبوبات فلذلك عدي استحبوا بحرف على ، أي رجحوا باختيارهم . وتعليق على الهدى بفعل استحبوا لتضمينه معنى : فضلوا وآثروا .
وفرع عليه
فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ، وكان العقاب مناسبا للجرم لأنهم استحبوا الضلال الذي هو مثل العمى ، فمن يستحبه فشأنه أن يحب العمى ، فكان جزاؤهم بالصاعقة لأنها تعمي أبصارهم في حين تهلكهم قال تعالى يكاد البرق يخطف أبصارهم .
[ ص: 263 ] والأخذ : مستعار للإصابة المهلكة لأنها اتصال بالمهلك يزيله من الحياة فكأنه أخذ باليد .
والصاعقة : الصيحة التي تنشأ في كهربائية السحاب الحامل للماء فتنقدح منها نار تهلك ما تصيبه . وإضافة ( صاعقة ) إلى ( العذاب ) للدلالة على أنها صاعقة تعرف بطريق الإضافة إذ لا يعرف بها إلا ما تضاف إليه ، أي صاعقة خارقة لمعتاد الصواعق ، فهي صاعقة مسخرة من الله لعذاب
ثمود ، فإن أصل معنى الإضافة أنها بتقدير لام الاختصاص فتعريف المضاف لا طريق له إلا بيان اختصاصه بالمضاف إليه .
والعذاب هو : الإهلاك بالصعق ، ووصف بـ ( الهون ) كما وصف العذاب بالخزي في قوله لنذيقهم عذاب الخزي ، أي العذاب الذي هو سبب الهون . والهون : الهوان وهو الذل ، ووجه كونه هوانا أنه إهلاك فيه مذلة إذ استؤصلوا عن بكرة أبيهم وتركوا صرعى على وجه الأرض كما بيناه في مهلك
عاد .
أي أخذتهم الصاعقة بسبب كسبهم في اختيارهم البقاء على الضلال بإعراضهم عن دعوة رسولهم وعن دلالة آياته .
ويعلم من قوله في شأن
عاد ولعذاب الآخرة أخزى أن
لثمود عذابا في الآخرة ؛ لأن الأمتين تماثلتا في الكفر فلم يذكر ذلك هنا اكتفاء بذكره فيما تقدم . وهذا محسن الاكتفاء ، وهو محسن يرجع إلى الإيجاز .