صفحة جزء
فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون .

دلت الفاء على أن ما بعدها مفرع عما قبلها : فإما أن يكون تفريعا على آخر ما تقدم وهو قوله وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن الآية ، وإما أن يكون مفرعا على جميع ما تقدم ابتداء من قوله وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه الآية ، وقوله ( فإن أعرضوا ) الآية وقوله " ويوم نحشر أعداء الله إلى النار " الآية وقوله وقيضنا لهم قرناء الآية وقوله وقال الذين كفروا لا تسمعوا إلخ .

[ ص: 279 ] وعلى كلا الوجهين يتعين أن يكون المراد بـ الذين كفروا هنا : المشركين الذين الكلام عنهم .

فالذين كفروا إظهار في مقام الإضمار لقصد ما في الموصول من الإيماء إلى علة إذاقة العذاب ، أي لكفرهم المحكي بعضه فيما تقدم .

وإذاقة العذاب : تعذيبهم ، استعير له الإذاقة على طريق المكنية والتخييلة . والعذاب الشديد عن ابن عباس : أنه عذاب يوم بدر فهو عذاب الدنيا .

وعطف ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون عن ابن عباس : لنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون في الآخرة .

و أسوأ الذي كانوا يعملون منصوب على نزع الخافض . والتقدير : على أسوأ ما كانوا يعملون ، ولك أن تجعله منصوبا على النيابة عن المفعول المطلق تقديره : جزاء مماثلا أسوأ الذي كانوا يعملون .

وأسوأ : اسم تفضيل مسلوب المفاضلة ، وإنما أريد به السيئ ، فصيغ بصيغة التفضيل للمبالغة في سوئه . وإضافته إلى الذي كانوا يعملون من إضافة البعض إلى الكل وليس من إضافة اسم التفضيل إلى المفضل عليه .

والإشارة بـ ذلك جزاء أعداء الله إلى ما تقدم وهو الجزاء والعذاب الشديد على أسوأ أعمالهم . وأعداء الله : هم المشركون الذين تقدم ذكرهم بقوله تعالى " ويوم نحشر أعداء الله " .

والنار عطف بيان من جزاء أعداء الله .

ودار الخلد : النار . فقوله لهم فيها دار الخلد جاء بالظرفية بتنزيل النار منزلة ظرف لدار الخلد وما دار الخلد إلا عين النار . وهذا من أسلوب التجريد ليفيد مبالغة معنى الخلد في النار . وهو معدود من المحسنات البديعية ، ومنه قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقول أبي حامد العتابي :

[ ص: 280 ] 206

وفي الرحمن للضعفاء كافي

أي والرحمن كاف للضعفاء .

والخلد : طول البقاء ، وأطلق في اصطلاح القرآن على البقاء المؤبد الذي لا نهاية له .

وانتصب جزاء على الحال من دار الخلد ، والباء للسببية . وما مصدرية ، أي جزاء بسبب كونهم يجحدون بآياتنا .

وصيغة المضارع في يجحدون دالة على تجدد الجحود حينا فحينا وتكرره . وعدي فعل يجحدون بالباء لتضمينه معنى : يكذبون . وتقديم بآياتنا للاهتمام وللرعاية على الفاصلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية