[ ص: 7 ] ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص .
عطف على الجملة قبلها فإنه لما تضمن قوله :
إليه يرد علم الساعة إبطال شبهتهم بأن عدم بيان وقتها يدل على انتفاء حصولها ، وأتبع ذلك بنظائر لوقت الساعة مما هو جار في الدنيا دوما - عاد الكلام إلى شأن الساعة على وجه الإنذار مقتضيا إثبات وقوع الساعة بذكر بعض ما يلقونه في يومها .
و ( يوم ) متعلق بمحذوف شائع حذفه في القرآن ، تقديره : واذكر يوم يناديهم .
والضمير في ( ينادي ) عائد إلى ربك في قوله :
وما ربك بظلام للعبيد ، والنداء كناية عن الخطاب العلني كقوله :
ينادونهم ألم نكن معكم . وقد تقدم الكلام على النداء عند قوله تعالى :
ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان في آل عمران ، وقوله :
ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها في سورة الأعراف .
وجملة ( أين شركائي ) يصح أن يكون مقول قول محذوف كما صرح به في آية أخرى
ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين . وحذف القول ليس بعزيز .
ويصح أن تكون مبينة لما تضمنه ( يناديهم ) من معنى الكلام المعلن به . وجاءت جملة (
قالوا آذناك ) غير معطوفة لأنها جارية على طريقة حكاية المحاورات كما تقدم عند قوله تعالى : وإذ قال ربك للملائكة . إلى قوله : ما لا تعلمون .
و (
آذناك ) : أخبرناك وأعلمناك . وأصل هذا الفعل مشتق من الاسم الجامد وهو الأذن بضم الهمزة وسكون الذال . قال تعالى :
فقل آذنتكم على سواء ، وقال
الحارث بن حلزة : [ ص: 8 ] آذنتنا ببينها أسماء
وصيغة الماضي في (
آذناك ) إنشاء ، فهو بمعنى الحال مثل : بعت وطلقت ، أي نأذنك ونقر بأنه ما منا من شهيد .
والشهيد يجوز أن يكون بمعنى المشاهد ، أي المبصر ، أي ما أحد منا يرى الذين كنا ندعوهم شركاءك الآن ، أي لا نرى واحدا من الأصنام التي كنا نعبدها ، فتكون جملة وضل عنهم ما كانوا يدعون في موضع الحال ، والواو واو الحال . ويجوز أن يكون الشهيد بمعنى الشاهد ، أي ما منا أحد يشهد أنهم شركاؤك ، فيكون ذلك اعترافا بكذبهم فيما مضى ، وتكون جملة ( وضل عنهم ) معطوفة على جملة (
قالوا آذناك ) أي قالوا ذلك ولم يجدوا واحدا من أصنامهم .
وفعل (
آذناك ) معلق عن العمل لورود النفي بعده .
و ( ضل ) : حقيقته غاب عنهم ، أي لم يجدوا ما كانوا يدعونهم من قبل في الدنيا ، قال تعالى : بل ضلوا عنهم . فالمراد هنا : غيبة أصنامهم عنهم وعدم وجودها في تلك الحضرة بقطع النظر عن كونها ملقاة في جهنم أو بقيت في العالم الدنيوي حين فنائه .
وإذ لم يجدوا ما كانوا يزعمونه فقد علموا أنهم لا محيص لهم ، أي لا ملجأ لهم من العذاب الذي شاهدوا إعداده ، فالظن هنا بمعنى اليقين .
والمحيص مصدر ميمي أو اسم مكان من : حاص يحيص : إذا هرب ، أي ما لهم مفر من النار .