ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط .
تذييلان للسورة وفذلكتان افتتحا بحرف التنبيه اهتماما بما تضمناه .
فأما التذييل الأول فهو جماع ما تضمنته السورة من
أحوال المشركين المعاندين إذ كانت أحوالهم المذكورة فيها ناشئة عن إنكارهم البعث فكانوا في مأمن من التفكير فيما بعد هذه الحياة ، فانحصرت مساعيهم في تدبير الحياة الدنيا وانكبوا على ما يعود عليهم بالنفع فيها .
[ ص: 22 ] وضمير ( إنهم ) عائد إليهم كما عاد ضمير الجمع في سنريهم .
وأما التذييل الثاني فهو جامع لكل ما تضمنته السورة من إبطال لأقوالهم وتقويم لاعوجاجهم ، لأن ذلك كله من آثار علم الله تعالى بالغيب والشهادة .
وتأكيد الجملتين بحرف التأكيد مع أن المخاطب بهما لا يشك في ذلك لقصد الاهتمام بهما واستدعاء النظر لاستخراج ما تحويانه من المعاني والجزئيات .
والمرية بكسر الميم وهو الأشهر فيها واتفقت عليه القراءات المتواترة ، وبكسر الميم وهو لغة مثل : خفية وخفية . والمرية : الشك . وحرف الظرفية مستعار لتمكن الشك بهم حتى كأنهم مظروفون فيه . و ( من ) ابتدائية وتعدى بها أفعال الشك إلى الأمر المشكوك فيه بتنزيل متعلق الفعل منزلة مثار الفعل بتشبيه المفعول بالمنشأ كأن الشك جاء من مكان هو المشكوك فيه .
وفي تعليقه بذات الشيء مع أن الشك إنما يتعلق بالأحكام مبالغة على طريقة إسناد الأمور إلى الأعيان والمراد أوصافها ، فتقدير في مرية من لقاء ربهم : في مرية من وقوع لقاء ربهم وعدم وقوعه كقوله تعالى :
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا أي في ريب من كونه منزلا .
وأطلق الشك على جزمهم بعدم وقوع البعث لأن جزمهم خلي عن الدليل الذي يقتضيه ، فكان إطلاق الشك عليه تعريضا بهم بأن الأولى بهم أن يكونوا في شك على الأقل .
ووصف الله بالمحيط مجاز عقلي لأن المحيط بكل شيء هو علمه فأسندت الإحاطة إلى اسم الله لأن ( المحيط ) صفة من أوصافه وهو العلم .
وبهاتين الفذلكتين آذن بانتهاء الكلام فكان من براعة الختام .