ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور
تذييل لجملة
ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمعنى : وكلما عمل مؤمن حسنة زدناه حسنا من ذلك الفضل الكبير . وهذا في معنى قوله تعالى :
والله يضاعف لمن يشاء والواو اعتراضية .
والاقتراف : افتعال من القرف ، وهو الاكتساب ، فالاقتراف مبالغة في الكسب نظير الاكتساب ، وليس خاصا باكتساب السوء وإن كان قد غلب فيه ، وأصله من قرف الشجرة : إذا قشر قرفها ، بكسر القاف ، وهو لحاؤها ، أي قشر عودها ، وتقدم عند قوله تعالى :
وليقترفوا ما هم مقترفون في سورة الأنعام ، وعند قوله :
وأموال اقترفتموها في سورة " براءة " .
والحسنة : الفعلة ذات الحسن ، صفة مشبهة غلبت في استعمال القرآن والسنة على الطاعة والقربة فصارت بمنزلة الجوامد علما بالغلبة وهي مشتقة من الحسن وهو جمال الصورة . والحسن : ضد القبح وهو صفة في الذات تقتضي قبول منظرها في نفوس الرائين وميلهم إلى مداومة مشاهدتها . وتوصف المعنويات بالحسن فيراد به كون الفعل أو الصفة محمودة عند العقول مرغوبا في الاتصاف بها .
[ ص: 85 ] ولما كانت الحسنة مأخوذة من الحسن جعلت الزيادة فيها من الزيادة في الحسن مراعاة لأصل الاشتقاق فكان ذكر الحسن من الجناس المعبر عنه بجناس الاشتقاق نحو قوله تعالى :
فأقم وجهك للدين القيم ، وصار المعنى : نزد له فيها مماثلا لها .
ويتعين أن الزيادة فيها زيادة من غير عمله ولا تكون الزيادة بعمل يعمله غيره لأنها تصير عملا يستحق الزيادة أيضا فلا تنتهي الزيادة فتعين أن المراد الزيادة في جزاء أمثالها عند الله . وهذا معنى قوله تعالى :
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وقوله :
والله يضاعف لمن يشاء ، وقول النبيء صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002334من هم بحسنة فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف .
وجملة
إن الله غفور شكور تذييل وتعليل للزيادة لقصد تحقيقها بأن الله كثيرة مغفرته لمن يستحقها ، كثير شكره للمتقربين إليه . والمقصود بالتعليل هو وصف الشكور ، وأما وصف الغفور فقد ذكر للإشارة إلى ترغيب المقترفين السيئات في الاستغفار والتوبة ليغفر لهم فلا يقنطوا من رحمة الله .