ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده بعد أن حكى أصنافا من كفر المشركين وعنادهم وتكذيبهم ، ثم ذكرهم بالآيات الدالة على انفراد الله تعالى بالإلهية وما في مطاويها من النعم وحذرهم من الغرور بمتاع الدنيا الزائل أعقبه بقوله :
ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وهو معطوف على قوله :
إنما السبيل على الذين يظلمون الناس .
والمعنى : أن فيما سمعتم هداية لمن أراد الله له أن يهتدي ، وأما من قدر الله عليه الضلال فما له من ولي غير الله يهديه أو ينقذه ، فالمراد نفي الولي الذي يصلحه ويرشده كقوله :
من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، فالمراد هنا ابتداء معنى خاص من الولاية .
وإضلال الله المرء : خلقه غير سريع للاهتداء أو غير قابل له وحرمانه من تداركه إياه بالتوفيق كلما توغل في الضلالة ، فضلاله من خلق الله وتقدير الله له ، والله دعا الناس إلى الهداية بواسطة رسله وشرائعه قال تعالى :
والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، أي يدعو كل عاقل ويهدي بعض من دعاهم .
و ( من ) شرطية ، والفاء في
فما له من ولي رابطة للجواب . ونفي الولي
[ ص: 124 ] كناية عن نفي أسباب النجاة عن الضلالة وعواقب العقوبة عليها لأن الولي من خصائصه نفع مولاه بالإرشاد والانتشال ، فنفي الولي يدل بالالتزام على احتياج إلى نفعه مولاه وذلك يستلزم أن مولاه في عناء وعذاب كما دل عليه قوله عقبه
وترى الظالمين لما رأوا العذاب الآية . فهذه كناية تلويحية ، وقد جاء صريح هذا المعنى في قوله :
ومن يضلل الله فما له من هاد في سورة الزمر وقوله :
ومن يضلل الله فما له من سبيل الآتي في هذه السورة .
وضمير ( بعده ) راجع إلى اسم الجلالة ، أي من بعد الله كقوله تعالى :
فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون في سورة الجاثية .
ومعنى ( بعد ) هنا معنى ( دون ) أو ( غير ) استعير لفظ ( بعد ) لمعنى ( دون ) لأن ( بعد ) موضوع لمن يخلف غائبا في مكانه أو في عمله ، فشبه ترك الله الضال في ضلاله بغيبة الولي الذي يترك مولاه دون وصي ولا وكيل لمولاه وتقدم في قوله تعالى :
فبأي حديث بعده يؤمنون في سورة الأعراف وقوله :
فماذا بعد الحق إلا الضلال في سورة يونس .
و ( من ) زائدة للتوكيد . ومن مواضع زيادتها أن تزاد قبل الظروف غير المتصرفة قال
الحريري و ( ما ) منصوب على الظرف لا يخفضه سوى حرف .