فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ الفاء للتفريع على قوله :
استجيبوا لربكم الآية ، وهو جامع لما تقدم كما علمت إذ أمر الله نبيئه بدعوتهم للإيمان من قوله في أول السورة
وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها ثم قوله :
فلذلك فادع واستقم . وما تخلل ذلك واعترضه من تضاعيف الأمر الصريح والضمني إلى قوله :
استجيبوا لربكم . الآية . ثم فرع على ذلك كله إعلام الرسول صلى الله عليه وسلم بمقامه وعمله إن أعرض معرضون من الذين يدعوهم ، وبمعذرته فيما قام به وأنه غير مقصر ، وهو تعريض بتسليته على ما لاقاه منهم ، والمعنى : فإن أعرضوا بعد هذا كله فما أرسلناك حفيظا عليهم ومتكفلا بهم إذ ما عليك إلا البلاغ .
وإذ قد كان ما سبق من الأمر بالتبليغ والدعوة مصدرا بقوله أوائل السورة
والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل ، لا جرم ناسب أن يفرع على تلك الأوامر بعد تمامها مثل ما قدم لها فقال :
فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ .
وهذا الارتباط هو نكتة الالتفات من الخطاب الذي في قوله :
استجيبوا لربكم [ ص: 133 ] الآية ، إلى الغيبة في قوله هنا
فإن أعرضوا وإلا لقيل : فإن أعرضتم .
والحفيظ تقدم في صدر السورة وقوله :
فما أرسلناك عليهم حفيظا ليس هو جواب الشرط في المعنى ولكنه دليل عليه ، وقائم مقامه ، إذ المعنى : فإن أعرضوا فلست مقصرا في دعوتهم ، ولا عليك تبعة صدهم إذ ما أرسلناك حفيظا عليهم ، بقرينة قوله :
إن عليك إلا البلاغ .
وجملة
إن عليك إلا البلاغ بيان لجملة
فما أرسلناك عليهم حفيظا باعتبار أنها دالة على جواب الشرط المقدر .
و ( إن ) الثانية نافية . والجمع بينها وبين ( إن ) الشرطية في هذه الجملة جناس تام .
والبلاغ : التبليغ ، وهو اسم مصدر ، وقد فهم من الكلام أنه قد أدى ما عليه من البلاغ لأن قوله :
فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا دل على نفي التبعة عن النبيء صلى الله عليه وسلم من إعراضهم ، وأن الإعراض هو الإعراض عن دعوته ، فاستفيد أنه قد بلغ الدعوة ولولا ذلك ما أثبت لهم الإعراض .