صفحة جزء
[ ص: 227 ] وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون

عطف على " وأخذناهم بالعذاب " . والمعنى : ولما أخذناهم بالعذاب على يد موسى سألوه أن يدعو الله بكشف العذاب عنهم .

ومخاطبتهم موسى بوصف الساحر مخاطبة تعظيم تزلفا إليه لأن الساحر عندهم كان هو العالم وكانت علوم علمائهم سحرية ، أي ذات أسباب خفية لا يعرفها غيرهم وغير أتباعهم ، ألا ترى إلى قول ملأ فرعون له وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم .

وكان الساحر بأيدي الكهنة ومن مظاهره تحنيط الموتى الذي بقي به جثث الأموات سالمة من البلى ولم يطلع أحد بعدهم على كيفية صنعه .

وفي آية الأعراف قالوا يا موسى ادع لنا ربك ، ولا تنافي ما هنا لأن الخطاب خطاب إلحاح فهو يتكرر ويعاد بطرق مختلفة .

وقرأ الجمهور " يا أيه الساحر " بدون ألف بعد الهاء في الوصل وهو ظاهر ، وفي الوقف أي بفتحة دون ألف وهو غير قياسي لكن القراءة رواية . وعلله أبو شامة بأنهم اتبعوا الرسم وفيه نظر . وقرأه أبو عمرو والكسائي ويعقوب بإثبات الألف في الوقف . وقرأه ابن عامر بضم الهاء في الوصل خاصة وهو لغة بني أسد ، وكتبت في المصحف كلمة ( أيه ) بدون ألف بعد الهاء ، والأصل أن تكون بألف بعد الهاء لأنها ( ها ) حرف تنبيه يفصل بين ( أي ) وبين نعتها في النداء فحذفت الألف في رسم المصحف رعيا لقراءة الجمهور والأصل أن يراعى في الرسم حالة الوقف .

وعنوا " بربك " الرب الذي دعاهم موسى إلى عبادته . والقبط كانوا يحسبون أن لكل أمة ربا ، ولا يحيلون تعدد الآلهة ، وكانت لهم أرباب كثيرون مختلفة أعمالهم وقدرهم . ومثل ذلك كانت عقائد اليونان .

وأرادوا بما عهد عندك ما خصك بعلمه دون غيرك مما استطعت به أن تأتي بخوارق العادة .

[ ص: 228 ] وكانوا يحسبون أن تلك الآيات معلولة لعلل خفية قياسا على معارفهم بخصائص بعض الأشياء التي لا تعرفها العامة ، وكان الكهنة يعهدون بها إلى تلامذتهم ويوصونهم بالكتمان .

والعهد : هو الائتمان على أمر مهم ، وليس مرادهم به النبوءة لأنهم لم يؤمنوا به وإذ لم يعرفوا كنه العهد عبروا عنه بالموصول وصلته . والباء في قوله بما عهد عندك متعلقة بـ " ادع " وهي للاستعانة . ولما رأوا الآيات علموا أن رب موسى قادر ، وأن بينه وبين موسى عهدا يقتضي استجابة سؤله .

وجملة " إننا لمهتدون " جواب لكلام مقدر دل عليه " ادع لنا ربك " أي دعوت لنا وكشفت عنا العذاب لنؤمنن لك كما في آية الأعراف لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك الآية .

فـ " مهتدون " اسم فاعل مستعمل في معنى الوعد وهو منصرف للمستقبل بالقرينة كما دل قوله " ينكثون " ونظيره قوله في سورة الدخان حكاية عن المشركين ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى الآية . وسموا تصديقهم إياه اهتداء لأن موسى سمى ما دعاهم إليه هديا كما في آية النازعات " وأهديك إلى ربك فتخشى " .

التالي السابق


الخدمات العلمية