واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم .
أمر بالتقوى لأنها ملاك الخير ، وبها يكون ترك الفسوق ، وقوله :
ويعلمكم الله تذكير بنعمة الإسلام الذي أخرجهم من الجهالة إلى العلم بالشريعة ، ونظام العالم ، وهو أكبر العلوم وأنفعها ، ووعد بدوام ذلك لأنه جيء فيه بالمضارع ، وفي عطفه على الأمر بالتقوى إيماء إلى أن التقوى سبب إفاضة العلوم ، حتى قيل : إن الواو فيه للتعليل أي : ليعلمكم ، وجعله بعضهم من معاني الواو ، وليس بصحيح .
وإظهار اسم الجلالة في الجمل الثلاث لقصد التنويه بكل جملة منها حتى تكون مستقلة الدلالة ، غير محتاجة إلى غيره المشتمل على معاد ضميرها ، حتى إذا سمع السامع كل واحدة منها حصل له علم مستقل ، وقد لا يسمع إحداها فلا يضره ذلك في فهم أخراها ، ونظير هذا الإظهار قول
الحماسي :
اللؤم أكرم من وبر ووالده واللؤم أكرم من وبر وما ولدا واللؤم داء لوبر يقتلون به
لا يقتلون بداء غيره أبدا
فإنه لما قصد التشنيع بالقبيلة ومن ولدها ، وما ولدته ، أظهر اللؤم في الجمل الثلاث ولما كانت الجملة الرابعة كالتأكيد للثالثة لم يظهر اسم اللؤم بها ، هذا ، ولإظهار اسم الجلالة نكتة أخرى ، وهي التهويل ، وللتكرير مواقع يحسن فيها ، ومواقع لا يحسن فيها ، قال الشيخ في دلائل الإعجاز ، في الخاتمة التي ذكر فيها أن الذوق قد يدرك أشياء لا يهتدى لأسبابها ، وأن بعض الأئمة قد يعرض له الخطأ في التأويل : ومن ذلك
[ ص: 119 ] ما حكي عن الصاحب أنه قال : كان الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=12826ابن العميد يختار من شعر
nindex.php?page=showalam&ids=12734ابن الرومي وينقط على ما يختاره ، قال الصاحب فدفع إلي القصيدة التي أولها :
أتحت ضلوعي جمرة تتوقد على ما مضى أم حسرة تتجدد
وقال لي تأملها ، فتأملتها فوجدته قد ترك خير بيت لم ينقط عليه وهو قوله :
بجهل كجهل السيف والسيف منتضى وحلم كحلم السيف والسيف مغمد
فقلت : لم ترك الأستاذ هذا البيت ؟ فقال : لعل القلم تجاوزه ، ثم رآني من بعد فاعتذر بعذر كان شرا من تركه ، فقال : إنما تركته لأنه أعاد السيف أربع مرات ، قال الصاحب : لو لم يعده لفسد البيت ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13990الشيخ عبد القاهر : والأمر كما قال الصاحب . ثم قال : قاله
أبو يعقوب : إن الكناية والتعريض لا يعملان في العقول عمل الإفصاح والتكشيف ؛ لأجل ذلك كان لإعادة اللفظ في قوله تعالى :
وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وقوله :
قل هو الله أحد الله الصمد عمل لولاه لم يكن .
وقال
الراغب : قد استكرهوا التكرير في قوله :
فما للنوى جذ النوى قطع النوى حتى قيل : لو سلط بعير على هذا البيت لرعى ما فيه من النوى ، ثم قال : إن التكرير المستحسن هو تكرير يقع على طريق التعظيم ، أو التحقير ، في جمل متواليات ، كل جملة منها مستقلة بنفسها ، والمستقبح هو أن يكون التكرير في جملة واحدة أو في جمل في معنى ، ولم يكن فيه معنى التعظيم والتحقير ،
فالراغب موافق للأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=12826ابن العميد ،
وعبد القاهر موافق
nindex.php?page=showalam&ids=14620للصاحب بن عباد ، قال
المرزوقي في شرح الحماسة عند قول
nindex.php?page=showalam&ids=14888يحيى بن زياد :
لما رأيت الشيب لاح بياضه
بمفرق رأسي قلت للشيب مرحبا
كان الواجب أن يقول : قلت له مرحبا . لكنهم يكررون الأعلام وأسماء الأجناس كثيرا والقصد بالتكرير التفخيم .
[ ص: 120 ] واعلم أنه ليس التكرير بمقصور على التعظيم بل مقامه كل مقام يراد منه تسجيل انتساب الفعل إلى صاحب الاسم المكرر ، كما تقدم في بيتي الحماسة :
اللؤم أكرم من وبر
. . .
إلخ .
وقد وقع التكرير متعاقبا في قوله تعالى في سورة آل عمران :
وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون .