ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين
معطوف على الكلام المحذوف الذي دل عليه قوله
إنهم جند مغرقون الذي تقديره : فأغرقناهم ونجينا
بني إسرائيل كما قال في سورة الشعراء
وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين .
والمعنى : ونجينا
بني إسرائيل من عذاب
فرعون وقساوته ، أي فكانت آية البحر هلاكا لقوم وإنجاء لآخرين .
والمقصود من ذكر هذا الإشارة إلى أن الله تعالى ينجي الذين آمنوا
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من عذاب أهل الشرك
بمكة ، كما نجى الذين اتبعوا
موسى من عذاب
فرعون .
وجعل طغيان
فرعون وإسرافه في الشر مثلا لطغيان
أبي جهل وملئه ولأجل هذه الإشارة أكد الخبر باللام . وقد يفيد تحقيق إنجاء المؤمنين من العذاب المقدر للمشركين إجابة لدعوة
ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون .
والعذاب المهين : هو ما كان يعاملهم به
فرعون وقومه من الاستعباد والإشقاق عليهم في السخرة ، وكان يكلفهم أن يصنعوا له اللبن كل يوم لبناء مدينتي (
فيثوم ) و (
رعمسيس ) وكان اللبن يصنع من الطوب والتبن فكان يكلفهم استحضار التبن اللازم لصنع اللبن ويلتقطون متناثره ويذلونهم ولا يتركون لهم راحة ، فذلك العذاب المهين لأنه عذاب فيه إذلال .
[ ص: 305 ] وقوله
من فرعون الأظهر أن يكون بدلا مطابقا للعذاب المهين فتكون ( من ) مؤكدة لـ ( من ) الأولى المعدية لـ " نجينا " لأن الحرف الداخل على المبدل منه يجوز أن يدخل على البدل للتأكيد . ويحسن ذلك في نكت يقتضيها المقام وحسنه هنا ، فأظهرت ( من ) لخفاء كون اسم
فرعون بدلا من العذاب تنبيها على قصد التهويل لأمر
فرعون في جعل اسمه نفس العذاب المهين ، أي في حال كونه صادرا من
فرعون .
وجملة
إنه كان عاليا مستأنفة استئنافا بيانيا لبيان التهويل الذي أفاده جعل اسم
فرعون بدلا من العذاب المهين . والعالي : المتكبر العظيم في النسا ، قال تعالى
إن فرعون علا في الأرض .
و
من المسرفين خبر ثان عن
فرعون ، والإسراف : الإفراط والإكثار . والمراد هنا الإكثار في التعالي ، يراد الإكثار في أعمال الشر بقرينة مقام الذم .
و
من المسرفين أشد مبالغة في اتصافه بالإسراف من أن يقال : مسرفا ، كما تقدم في قوله تعالى
قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين في سورة البقرة .