والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم
هذا مقابل فريق الذين كفروا وهو فريق الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وإيراد الموصول وصلته للإيماء إلى وجه بناء الخبر وعلته ، أي لأجل إيمانهم . . . إلخ كفر عنهم سيئاتهم .
وقد جاء في مقابلة الأوصاف الثلاثة التي أثبتت للذين كفروا بثلاثة أوصاف ضدها للمسلمين وهي : الإيمان مقابل الكفر ، والإيمان بما نزل على
محمد - صلى الله عليه وسلم - مقابل الصد عن سبيل الله ، وعمل الصالحات مقابل بعض ما تضمنه
أضل أعمالهم ، و
كفر عنهم سيئاتهم مقابل بعض آخر مما تضمنه
أضل أعمالهم ،
وأصلح بالهم مقابل بقية ما تضمنه
أضل أعمالهم .
وزيد في جانب المؤمنين التنويه بشأن القرآن بالجملة المعترضة قوله
وهو الحق من ربهم [ ص: 75 ] وهو نظير لوصفه بسبيل الله في قوله
وصدوا عن سبيل الله .
وعبر عن الجلالة هنا بوصف الرب زيادة في التنويه بشأن المسلمين على نحو قوله
وأن الكافرين لا مولى لهم فلذلك لم يقل : وصدوا عن سبيل ربهم .
وتكفير السيئات غفرانها لهم فإنهم لما عملوا الصالحات كفر الله عنهم سيئاتهم التي اقترفوها قبل الإيمان ، وكفر لهم الصغائر ، وكفر عنهم بعض الكبائر بمقدار يعلمه إذا كانت قليلة في جانب أعمالهم الصالحات كما قال - تعالى -
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم .
والبال : يطلق على القلب ، أي العقل وما يخطر للمرء من التفكير وهو أكثر إطلاقه ولعله حقيقة فيه ، قال
امرؤ القيس :
فعادى عداء بين ثـور ونـعـجة وكان عداء الوحش مني على بال
وقال :
عليه القتام سيء الظن والبال
ومنه قولهم : ما بالك ؟ أي ماذا ظننت حين فعلت كذا ، وقولهم : لا يبالي ، كأنه مشتق منه ، أي لا يخطر بباله ، ومنه بيت
nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي في الحماسة :
ونبكي حين نقتلكم عليكم ونقتلكم كأنا لا نبالـي
أي لا نفكر .
وحكى
الأزهري عن جماعة من العلماء ، أي معنى لا أبالي : لا أكره اهـ .
وأحسبهم أرادوا تفسير حاصل المعنى ولم يضبطوا تفسير معنى الكلمة .
ويطلق البال على الحال والقدر . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002394كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر . قال
الوزير البطليوسي في شرح ديوان
امرئ القيس : قال
أبو سعيد : كنت أقول
للمعري : كيف أصبحت ؟ فيقول : بخير أصلح الله بالك . ولم يوفه صاحب الأساس حقه من البيان وأدمجه في مادة ( بلو ) .
وإصلاح البال يجمع إصلاح الأمور كلها لأن تصرفات الإنسان تأتي على
[ ص: 76 ] حسب رأيه ،
فالتوحيد أصل صلاح بال المؤمن ، ومنه تنبعث القوى المقاومة للأخطاء والأوهام التي تلبس بها أهل الشرك ، وحكاها عنهم القرآن في مواضع كثيرة والمعنى : أقام أنظارهم وعقولهم فلا يفكرون إلا صالحا ولا يتدبرون إلا ناجحا .