( والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم )
هذا من مظاهر بلوى بعضهم ببعض وهو مقابل ما في قوله
فضرب الرقاب إلى قوله
وإما فداء فإن ذلك من مظاهر إهانة الذين كفروا فذكر هنا ما هو من رفعة الذين قاتلوا في سبيل الله من المؤمنين بعناية الله بهم .
وجملة (
والذين قتلوا في سبيل الله ) إلخ عطف على جملة
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب الآية ، فإنه لما أمرهم بقتال المشركين أعقب الأمر بوعد الجزاء على فعله .
وذكر الذين قاتلوا في سبيل الله إظهار في مقام الإضمار إذ كان مقتضى الظاهر أن يقال : فلن يضل الله أعمالكم ، وهكذا بأسلوب الخطاب ، فعدل عن مقتضى الظاهر من الإضمار إلى الإظهار ؛ ليكون في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي إفادة تقوي الخبر ، وليكون ذريعة إلى الإتيان بالموصول للتنويه بصلته ، وللإيماء إلى وجه بناء الخبر على الصلة بأن تلك الصلة هي علة ما ورد بعدها من الخبر .
[ ص: 84 ] فجملة
فلن يضل أعمالهم خبر عن الموصول ، وقرنت بالفاء لإفادة السببية في ترتب ما بعد الفاء على صلة الموصول لأن الموصول كثيرا ما يشرب معنى الشرط فيقرن خبره بالفاء ، وبذلك تكون صيغة الماضي في فعل ( قاتلوا ) منصرفة إلى الاستقبال لأن ذلك مقتضى الشرط .
وجملة سيهديهم وما عطف عليها بيان لجملة
فلن يضل أعمالهم .
وتقدم الكلام آنفا على معنى إضلال الأعمال وإصلاح البال .
ومعنى
عرفها لهم أنه وصفها لهم في الدنيا فهم يعرفونها بصفاتها ، فالجملة حال من الجنة ، أو المعنى هداهم إلى طريقها في الآخرة فلا يترددون في أنهم داخلونها ، وذلك من تعجيل الفرح بها . وقيل عرفها جعل فيها عرفا ، أي ريحا طيبا ، والتطييب من تمام حسن الضيافة .
وقرأ الجمهور " قاتلوا " بصيغة المفاعلة ، فهو وعد للمجاهدين أحيائهم وأمواتهم . وقرأه
أبو عمرو وحفص عن
عاصم ( قتلوا ) بالبناء للنائب ، فعلى هذه القراءة يكون مضمون الآية جزاء الشهداء ، فهدايتهم وإصلاح بالهم كائنان في الآخرة .