[ ص: 180 ] وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا
هذا من عطف الجملة على الجملة ، فقوله ( أخرى ) مبتدأ موصوف بجملة لم تقدروا عليها والخبر قوله قد أحاط الله بها .
ومجموع الجملة عطف على جملة وعدكم الله مغانم كثيرة فلفظ ( أخرى ) صفة لموصوف محذوف دل عليه " مغانم " الذي في الجملة قبلها ، أي هي نوع آخر من المغانم صعبة المنال ، ومعنى المغانم يقتضي غانمين فعلم أنها لهم ، أي غير التي وعدهم الله بها ، أي هذه لم يعدهم الله بها ، ولم نجعل ( وأخرى ) عطفا على قوله ( هذه ) عطف المفرد على المفرد إذ ليس المراد غنيمة واحدة بل غنائم كثيرة .
ومعنى لم تقدروا عليها : أنها موصوفة بعدم قدرتكم عليها ، فلما كانت جملة لم تقدروا عليها صفة لـ ( أخرى ) لم يقتض مدلول الجملة أنهم حاولوا الحصول عليها فلم يقدروا ، وإنما المعنى : أن صفتها عدم قدرتكم عليها فلم تتعلق أطماعكم بأخذها .
والإحاطة بالهمز : جعل الشيء حائطا أي حافظا ، فأصل همزته للجعل وصار بالاستعمال قاصرا ، ومعناه : احتوى عليه ولم يترك له منصرفا ، فدل على شدة القدرة عليه قال - تعالى -
لتأتنني به إلا أن يحاط بكم أي إلا أن تغلبوا غلبا لا تستطيعون معه الإتيان به .
فالمعنى : أن الله قدر عليها ، أي قدر عليها فجعلها لكم بقرينة قوله قبله لم تقدروا عليها . والمعنى : ومغانم أخرى لم تقدروا على نيلها قد قدر الله عليها ، أي فأنالكم إياها .
وإلا لم يكن لإعلامهم بأن الله قدر على ما لم يقدروا عليه جدوى لأنهم لا يجهلون ذلك ، أي أحاط الله بها لأجلكم ، وفي معنى الإحاطة إيماء إلى أنها كالشيء المحاط به من جوانبه فلا يفوتهم مكانه ، جعلت كالمخبوء لهم .
ولذلك ذيل بقوله وكان الله على كل شيء قديرا إذ هو أمر مقرر في علمهم .
[ ص: 181 ] فعلم أن الآية أشارت إلى ثلاثة أنواع من المغانم : نوع من مغانم موعودة لهم قريبة الحصول وهي مغانم
خيبر ، ونوع هو مغانم مرجوة كثيرة غير معين وقت حصولها ، ومنها مغانم يوم
حنين وما بعده من الغزوات ، ونوع هو مغانم عظيمة لا يخطر ببالهم نوالها قد أعدها الله للمسلمين ولعلها مغانم بلاد
الروم وبلاد
الفرس وبلاد
البربر .
وفي الآية إيماء إلى أن هذا النوع الأخير لا يناله جميع المخاطبين لأنه لم يأت في ذكره بضميرهم ، وهو الذي تأوله
عمر في عدم قسمة سواد
العراق وقرأ قوله - تعالى - والذين جاءوا من بعدهم .