أغراض هاته السورة
تتعلق أغراضها بحوادث جدت متقاربة كانت سببا لنزول ما فيها من أحكام وآداب .
وأولها تعليم المسلمين بعض ما يجب عليهم من الأدب مع النبيء صلى الله عليه وسلم في
[ ص: 214 ] معاملته وخطابه وندائه ، دعا إلى تعليمهم إياها ما ارتكبه وفد بني تميم من جفاء الأعراب لما نادوا الرسول صلى الله عليه وسلم من بيوته كما سيأتي عند قوله تعالى :
إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون .
ووجوب صدق المسلمين فيما يخبرون به ، والتثبت في نقل الخبر مطلقا وأن ذلك من خلق المؤمنين ، ومجانبة أخلاق الكافرين والفاسقين ، وتطرق إلى ما يحدث من التقاتل بين المسلمين ، والإصلاح بينهم لأنهم إخوة ، وما أمر الله به من آداب حسن المعاملة بين المسلمين في أحوالهم في السر والعلانية ، وتخلص من ذلك إلى التحذير من بقايا خلق الكفر في بعض جفاة الأعراب تقويما لأود نفوسهم .
وقال
فخر الدين عند تفسير قوله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا : هذه السورة فيها إرشاد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق ، وهي إما مع الله أو مع رسوله صلى الله عليه وسلم أو مع غيرهما من أبناء الجنس ، وهم على صنفين : إما أن يكونوا على طريقة المؤمنين وداخلين في رتبة الطاعة أو خارجين عنها وهو الفسوق ، والداخل في طائفتهم : إما أن يكون حاضرا عندهم أو غائبا عنهم فهذه خمسة أقسام ، قال : فذكر الله في هذه السورة خمس مرات
يا أيها الذين آمنوا وأرشد بعد كل مرة إلى مكرمة من قسم من الأقسام الخمسة ، وسنأتي على بقية كلامه عند تفسير الآية الأولى من هذه السورة .
وهذه السورة هي
أول سور المفصل بتشديد الصاد ويسمى المحكم على أحد أقوال في المذهب ، وهو الذي ارتضاه المتأخرون من الفقهاء وفي مبدأ المفصل عندنا أقوال عشرة أشهرها قولان : قيل : إن مبدأه سورة ق وقيل : سورة الحجرات ، وفي مبدأ وسط المفصل قولان أصحهما أنه سورة عبس ، وفي قصاره قولان أصحهما أنها من سورة والضحى .
واختلف الحنفية في مبدأ المفصل على أقوال اثني عشر ، والمصحح أن أوله من
[ ص: 215 ] الحجرات ، وأول وسط المفصل سورة الطارق ، وأول القصار سورة إذا زلزلت الأرض .
وعند الشافعية قيل : أول المفصل سورة الحجرات ، وقيل سورة ق ، ورجحه
ابن كثير في التفسير كما سيأتي .
وعند الحنابلة : أول المفصل سورة ق .
والمفصل هو السور التي تستحب القراءة ببعضها في بعض الصلوات الخمس على ما هو مبين في كتب الفقه .