قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون
دعاء بالهلاك على أصحاب ذلك القول المختلف لأن المقصود بقتلهم أن الله يهلكهم ، ولذلك يكثر أن يقال : قاتله الله ، ثم أجري مجرى اللعن والتحقير والتعجيب من سوء أحوال المدعو عليه بمثل هذا .
وجملة الدعاء لا تعطف لأنها شديدة الاتصال بما قبلها مما أوجب ذلك الوصف لدخولهم في هذا الدعاء ، كما كان تعقيب الجمل التي قبلها بها إيماء إلى أن ما قبلها سبب للدعاء عليهم ، وهذا من بديع الإيجاز .
والخرص : الظن الذي لا حجة لصاحبه على ظنه ، فهو معرض للخطأ في ظنه ، وذلك كناية عن الضلال عمدا أو تساهلا ، فالخراصون هم أصحاب القول المختلف ، فأفاد أن قولهم المختلف ناشئ عن خواطر لا دليل عليها . وقد تقدم في الأنعام
إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون فالمراد هنا الخرص بالقول في ذات الله وصفاته .
واعلم أن الخرص في أصول الاعتقاد مذموم لأنها لا تبنى إلا على اليقين لخطر أمرها وهو أصل محل الذم في هذه الآية .
[ ص: 344 ] وأما الخرص في المعاملات بين الناس فلا يذم هذا الذم وبعضه مذموم إذا أدى إلى المخاطرة والمقامرة . وقد أذن في بعض الخرص للحاجة . ففي الموطأ عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=2002475أن النبيء صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها يعني في بيع ثمرة النخلات المعطاة على وجهة العرية وهي هبة مالك النخل ثمر بعض نخله لشخص لسنة معينة فإن الأصل أن يقبض ثمرتها عند جذاذ النخل فإذا بدا لصاحب الحائط شراء تلك الثمرة قبل طيبها رخص أن يبيعها المعرى بالفتح للمعري بالكسر إذا أراد المعري ذلك فيخرص ما تحمله النخلات من الثمر على أن يعطيه عند الجذاذ ما يساوي ذلك المخروص إذا لم يكن كثيرا وحدد بخمسة أوسق فأقل ليدفع صاحب النخل عن نفسه تطرق غيره لحائطه ، وذلك لأن أصلها عطية فلم يدخل إضرار على المعري من ذلك .
والغمرة : المرة من الغمر ، وهو الإحاة ويفسرها ما تضاف إليه كقوله تعالى :
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت فإذا لم تقيد بإضافة فإن تعيينها بحسب المقام كقوله تعالى :
فذرهم في غمرتهم حتى حين في سورة المؤمنين . والمراد : في شغل ، أي ما يشغلهم من معاداة الإسلام شغلا لا يستطيعون معه أن يتدبروا في دعوة النبيء صلى الله عليه وسلم .
والسهو : الغفلة . والمراد أنهم معرضون إعراضا كإعراض الغافل وما هم بغافلين فإن دعوة القرآن تقرع أسماعهم كل حين واستعمال مادة السهو في هذا المعنى نظير استعمالها في قوله تعالى :
الذين هم عن صلاتهم ساهون .