يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون
هذه الجملة يجوز أن تكون حالا من ضمير " الخراصون " وأن تكون استئنافا بيانيا ناشئا عن جملة
قتل الخراصون لأن جملة
قتل الخراصون أفادت تعجيبا من سوء عقولهم وأحوالهم فهو مثار سؤال في نفس السامع يتطلب البيان ، فأجيب بأنهم يسألون عن يوم الدين سؤال متهكمين ، يعنون أنه لا وقوع ليوم الدين كقوله تعالى :
عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون .
[ ص: 345 ] و
أيان يوم الدين مقول قول محذوف دل عليه " يسألون " لأن في فعل السؤال معنى القول . فتقدير الكلام : يقولون : أيان يوم الدين . ولك أن تجعل جملة
أيان يوم الدين بدلا من جملة " يسألون " لتفصيل إجماله وهو من نوع البدل المطابق .
و " أيان " اسم استفهام عن زمان فعل وهو في محل نصب مبني على الفتح ، أي متى يوم الدين ، ويوم الدين زمان فالسؤال عن زمانه آيل إلى السؤال باعتبار وقوعه ، فالتقدير : أيان وقوع يوم الدين ، أو حلوله ، كما تقول : متى يوم رمضان أي متى ثبوته لأن أسماء الزمان حقها أن تقع ظروفا للأحداث لا للأزمنة .
وجملة
يوم هم على النار يفتنون جواب لسؤالهم جرى على الأسلوب الحكيم من تلقي السائل بغير ما يتطلب إذ هم حين قالوا : أيان يوم الدين ، أرادوا التهكم والإحالة فتلقي كلامهم بغير مرادهم لأن في الجواب ما يشفي وقع تهكمهم على طريقة قوله تعالى :
يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج .
والمعنى : يوم الدين يقع يوم تصلون النار ويقال لكم : ذوقوا فتنتكم .
وانتصب
يوم هم على النار يفتنون على الظرفية وهو خبر عن مبتدأ محذوف دل عليه السؤال عنه بقوله : أيان يوم الدين .
والتقدير : يوم الدين يوم هم على النار يفتنون .
والفتن : التعذيب والتحريق ، أي يوم هم يعذبون على نار جهنم وأصل الفتن الاختيار . وشاع إطلاقه على معان منها إذابة الذهب على النار في البوتقة لاختيار ما فيه من معدن غير ذهب ، ولا يذاب إلا بحرارة نار شديدة فهو هنا كناية عن الإحراق الشديد .
وجملة
ذوقوا فتنتكم مقول قول محذوف دل عليه الخطاب ، أي يقال لهم حينئذ ، أو مقولا لهم ذوقوا فتنتكم ، أي عذابكم . والأمر في قوله " ذوقوا " مستعمل في التنكيل .
[ ص: 346 ] والذوق : مستعار للإحساس القوي لأن اللسان أشد الأعضاء إحساسا .
وإضافة فتنة إلى ضمير المخاطبين يومئذ من إضافة المصدر إلى مفعوله . وفي الإضافة دلالة على اختصاصها لهم لأنهم استحقوها بكفرهم ، ويجوز أن تكون الإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله . والمعنى : ذوقوا جزاء فتنتكم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أي تكذيبكم .
ويقوم من هذا الوجه أن يجعل الكلام موجها بتذكير المخاطبين في ذلك اليوم ما كانوا يفتنون به المؤمنين من التعذيب مثل ما فتنوا
بلالا وخبابا وعمارا وشميسة وغيرهم ، أي هذا جزاء فتنتكم . وجعل المذوق فتنتهم إظهارا لكونه جزاء عن فتنتهم المؤمنين ليزدادوا ندامة قال تعالى موعدا إياهم
إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق .
وإطلاق اسم العمل على جزائه وارد في القرآن كثيرا كقوله تعالى :
وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أي تجعلون جزاء رزق الله إياكم أنكم تكذبون وحدانيته .
والإشارة في قوله :
هذا الذي كنتم به تستعجلون إلى الشيء الحاضر نصب أعينهم ، وهكذا الشأن في مثله تذكير اسم الإشارة كما تقدم في قوله تعالى :
إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك في سورة البقرة .
ومعنى
كنتم به تستعجلون كنتم تطلبون تعجيله فالسين والتاء للطلب ، أي كنتم في الدنيا تسألون تعجيله وهو طلب يريدون به أن ذلك محال غير واقع .
وأقوالهم في هذا كثيرة حكاها القرآن كقوله :
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين .
والجملة استئناف في مقام التوبيخ وتعديد المجارم ، كما يقال للمجرم : فعلت كذا ، وهي من مقول القول .