[ ص: 352 ] وفي الأرض آيات للموقنين
هذا متصل بالقسم وجوابه من قوله :
والذاريات وقوله
والسماء ذات الحبك إلى قوله :
وإن الدين لواقع فبعد أن حقق وقوع البعث بتأكيده بالقسم انتقل إلى تقريبه بالدليل لإبطال إحالتهم إياه ، فيكون هذا الاستدلال كقوله :
ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى .
وما بين هاتين الجملتين اعتراض ، فجملة
وفي الأرض آيات للموقنين يجوز أن تكون معطوفة على جملة جواب القسم وهي
إنما توعدون لصادق . والمعنى : وفي ما يشاهد من أحوال الأرض آيات للموقنين وهي الأحوال الدالة على إيجاد موجودات بعد إعدام أمثالها وأصولها مثل إنبات الزرع الجديد بعد أن باد الذي قبله وصار هشيما .
وهذه دلائل واضحة متكررة لا تحتاج إلى غوص الفكر فلذلك لم تقرن هذه الآيات بما يدعو إلى التفكر كما قرن قوله
وفي أنفسكم أفلا تبصرون .
واعلم أن الآيات المرموقة من أحوال الأرض صالحة للدلالة أيضا على تفرده تعالى بالإلهية في كيفية خلقها ودحوها للحيوان والإنسان ، وكيف قسمت إلى سهل وجبال وبحر ، ونظام إنباتها الزرع والشجر ، وما يخرج من ذلك من منافع للناس ، ولهذا حذف تقييد آيات بمتعلق ليعم كل ما تصلح الآيات التي في الأرض أن تدل عليه .
وتقديم الخبر في قوله " وفي الأرض " للاهتمام والتشويق إلى ذكر المبتدأ .
واللام في " للموقنين " معلق بـ " آيات " . وخصت الآيات بـ " الموقنين " لأنهم الذين انتفعوا بدلالتها فأكسبتهم الإيقان بوقوع البعث . وأوثر وصف الموقنين هنا دون الذين أيقنوا لإفادة أنهم عرفوا بالإيقان . وهذا الوصف يقتضي مدحهم بثقوب الفهم لأن الإيقان لا يكون إلا عن دليل ودلائل هذا الأمر نظرية . ومدحهم أيضا بالإنصاف وترك المكابرة لأن أكثر المنكرين للحق تحملهم المكابرة
[ ص: 353 ] أو الحسد على إنكار حق من يتوجسون منه أن يقضي على منافعهم . وتقديم " في الأرض " على المبتدأ للاهتمام بالأرض باعتبارها آيات كثيرة .