أتواصوا به بل هم قوم طاغون .
الاستفهام مستعمل في التعجيب من تواطئهم على هذا القول على طريقة التشبيه البليغ ، أي : كأنهم أوصى بعضهم بعضا بأن يقولوه .
فالاستفهام هنا كناية عن لازمه وهو التعجيب ؛ لأن شأن الأمر العجيب أن يسأل عنه ، والجملة استئناف بياني ؛ لأن تماثل هؤلاء الأمم في مقالة التكذيب يثير سؤال سائل عن منشأ هذا التشابه .
وضمير تواصوا عائد إلى ما سبق من الموصول ومن الضمير الذي أضيف إليه ( قبلهم ) ، أي : أوصى بعضهم بعضا حتى بلغت الوصية إلى القوم الحاضرين .
وضمير ( به ) عائد على المصدر المأخوذ من فعل "
إلا قالوا ساحر أو مجنون " ، أي : أتواصوا بهذا القول .
وفعل الوصية يتعدى إلى الموصى عليه بالباء كقوله تعالى
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .
و ( بل ) إضراب عن مفاد الاستفهام من التشبيه أو عن التواصي به ، ببيان سبب التواطؤ على هذا القول فإنه إذا ظهر السبب بطل العجب . أي : ما هو بتواص ولكنه تماثل في منشأ ذلك القول ، أي : سبب تماثل المقالة تماثل التفكير
[ ص: 23 ] والدواعي للمقالة ؛ إذ جميعهم قوم طاغون ، وأن طغيانهم وكبرياءهم يصدهم عن اتباع رسول يحسبون أنفسهم أعظم منه ، وإذ لا يجدون وصمة يصمونه بها اختلقوا لتنقيصه عللا لا تدخل تحت الضغط وهي ادعاء أنه مجنون أو أنه ساحر ، فاستووا في ذلك بعلة استوائهم في أسبابه ومعانيه .
فضمير " هم قوم طاغون " عائد إلى ما عاد إليه ضمير أتواصوا .
وفي إقحام كلمة ( قوم ) إيذان بأن الطغيان راسخ في نفوسهم بحيث يكون من مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله تعالى " لآيات لقوم يعقلون " في سورة البقرة .