إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون .
استئناف بياني بعد أن ذكر حال المكذبين وما يقال لهم ، فمن شأن السامع أن يتساءل عن حال أضدادهم وهم الفريق الذين صدقوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فما جاء به القرآن وخاصة إذ كان السامعون المؤمنين ، وعادة القرآن تعقيب الإنذار بالتبشير وعكسه ، والجملة معترضة بين ما قبلها وجملة
أم يقولون شاعر .
وتأكيد الخبر ب " إن " للاهتمام به . وتنكير
جنات ونعيم للتعظيم ، أي : في أية جنات وأي نعيم .
وجمع " جنات " تقدم في سورة الذاريات .
والفاكه : وصف من فكه كفرح ، إذا طابت نفسه وسر .
[ ص: 46 ] وقرأ الجمهور " فاكهين " على صيغة اسم الفاعل ، وقرأه أبو جعفر ( فكهين ) بدون ألف .
والباء في
بما آتاهم ربهم للسببية والمعنى : أن ربهم أرضاهم بما يحبون .
واستحضار الجلالة بوصف ربهم للإشارة إلى عظيم ما آتاهم ، إذ العطاء يناسب حال المعطي ، وفي إضافة رب إلى ضميرهم تقريب لهم وتعظيم . وجملة
ووقاهم ربهم عذاب الجحيم في موضع الحال ، والواو حالية ، أو عاطفة على متكئين الذي هو حال ، والتقدير : وقد وقاهم ربهم عذاب الجحيم ، وهو حال من المتقين . والمقصود من ذكر هذه الحالة : إظهار التباين بين
حال المتقين وحال المكذبين زيادة في الامتنان ، فإن النعمة تزداد - حسن وقع في النفس - عند ملاحظة ضدها .
وفيه أيضا : أن وقايتهم عذاب الجحيم عدل ؛ لأنهم لم يقترفوا ما يوجب العقاب . وأما ما أعطوه من النعيم فذلك فضل من الله وإكرام منه لهم .
وفي قوله " ربهم " ما تقدم قبيله .
وجملة
كلوا واشربوا إلى آخرها مقول قول محذوف في موضع الحال أيضا ، تقديره : يقال : لهم ، أو مقولا لهم . وهذا القول مقابل ما يقال للمكذبين
اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون .
وحذف مفعول
كلوا واشربوا لإفادة النعيم ، أي : كلوا ما يؤكل واشربوا كل ما يشرب ، وهو عموم عرفي ، أي : مما تشتهون .
وهنيئا : اسم على وزن فعيل بمعنى مفعول ، وقع وصفا لمصدرين لفعلي
كلوا واشربوا ، أكلا وشربا ، فلذلك لم يؤنث الوصف ؛ لأن فعيلا إذا كان بمعنى مفعول يلزم الإفراد والتذكير . وتقدم في سورة النساء ؛ لأنه سالم مما يكدر الطعام والشراب .
و ما موصولة ، والباء سببية ، أي : بسبب العمل الصالح الذي يومئ إليه قوله " المتقين " وفي هذا القول زيادة كرامة لهم
[ ص: 47 ] بإظهار أن ما أتوه من الكرامة عوض عن أعمالهم كما آذنت به باء السببية وهو نحو قول من يسدي نعمة إلى المنعم عليه : لا فضل لي عليك وإنما هو مالك ، أو نحو ذلك .