قل تربصوا فإني معكم من المتربصين .
وردت جملة
قل تربصوا مفصولة بدون عطف لأنها وقعت في مقام المحاورة لسبقها بجملة
يقولون شاعر إلخ ، فإن أمر أحد بأن يقول بمنزلة قوله فأمر بقوله ، ومثله قوله تعالى
فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة .
والأمر في تربصوا مستعمل في التسوية ، أي : سواء عندي تربصهم بي وعدمه . وفرع عليه
فإني معكم من المتربصين ، أي : فإني متربص بكم مثل ما تتربصون بي إذ لا ندري أينا يصيبه ريب المنون قبل .
وتأكيد الخبر ب " إن " في قوله
فإني معكم من المتربصين لتنزيل المخاطبين منزلة من ينكر أنه يتربص بهم كما يتربصون به ؛ لأنهم لغرورهم اقتصروا على أنهم يتربصون به ليروا هلاكه ، فهذا من تنزيل غير المنكر منزلة المنكر .
[ ص: 63 ] والمعية في قوله معكم ظاهرها أنها للمشاركة في وصف التربص .
ولما كان قوله
من المتربصين مقدرا معه ( بكم ) لمقابلة قولهم
نتربص به ريب المنون كان في الكلام توجيه بأنه يبقى معهم يتربص هلاكهم حين تبدو بوادره ، إشارة إلى أن وقعة بدر إذ أصابهم من الحدثان القتل والأسر ، فتكون الآية مشيرة إلى صريح قوله تعالى في سورة براءة
قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون . وإنما قال هنا
من المتربصين ليشير إلى أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - يتربص بهم ريب المنون في جملة المتربصين من المؤمنين ، وذلك ما في آية سورة براءة على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين .
وقد صيغ نظم الكلام في هذه الآية على ما يناسب الانتقال من غرض إلى غرض وذلك بما نهي به من شبه التذييل بقوله
قل تربصوا فإني معكم من المتربصين إذ تمت به الفاصلة .