فبأي آلاء ربك تتمارى تفريع فذلكة لما ذكر من أول السورة : مما يختص بالنبيء - صلى الله عليه وسلم - من ذلك كقوله
ما ضل صاحبكم وما غوى إلى قوله
لقد رأى من آيات ربه الكبرى . ومما يشمله ويشمل غيره من قوله
وأنه هو أضحك وأبكى إلى قوله
هو رب الشعرى فإن ذلك خليط من نعم وضدها على نوع الإنسان وفي مجموعها
نعمة تعليم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمته بمنافع الاعتبار بصنع الله . ثم من قوله
وأنه أهلك عادا إلى هنا . فتلك نقم من الضالين والظالمين لنصر رسل الله ، وذلك نعمة على جميع الرسل ونعمة خاصة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي بشارته بأن الله سينصره ،
[ ص: 156 ] فجميع ما عدد من النعم على أقوام والنقم عن آخرين هو نعم محضة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين .
و " أي " اسم استفهام يطلب به تمييز متشارك في أمر يعم بما يميز البعض عن البقية من حال يختص به مستعمل هنا في التسوية كناية عن تساوي ما عدد من الأمور في أنها نعم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ ليس لواحد من هذه المعدودات نقص عن نظائره في النعمة كقول
فاطمة بنت الخرشب وقد سئلت : أي بنيك أفضل ؟ " ثكلتهم إن كنت أدري أيهم أفضل " ، أي : إن كنت أدري جواب السؤال ، وكقول
الأعشى :
بأشجع أخاذ على الدهر حكمه فمن أي ما تجني الحوادث أفرق
والمقصود من هذا الاستفهام تذكير النبيء - صلى الله عليه وسلم - بهذه النعم .
فالمعنى أنك لا تحصل لك مرية في واحدة من آلاء ربك فإنها سواء في الإنعام ، والخطاب بقوله " ربك " الأظهر أنه للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وهو مناسب لذكر الآلاء والموافق لإضافة ( رب ) إلى ضمير المفرد المخاطب في عرف القرآن .
وجوزوا أن يكون الخطاب في قوله
فبأي آلاء ربك لغير معين من الناس ، أي المكذبين ، أي : باعتبار أنه لا يخلو شيء مما عدد سابقا عن نعمة لبعض الناس أو باعتبار عدم تخصيص الآلاء بما سبق ذكره بل المراد جنس الآلاء كما في قوله تعالى
فبأي آلاء ربكما تكذبان .
والآلاء : النعم ، وهو جمع مفرده : إلى ، بكسر الهمزة وبفتحها مع فتح اللام مقصورا ، ويقال : إلي ، وألي ، بسكون اللام فيهما وآخره ياء متحركة ، ويقال : ألو ، بهمز مفتوحة بعدها لام ساكنة وآخره واو متحركة مثل : دلو .
والتماري : التشكك وهو تفاعل من المرية فإن كان الخطاب بقوله " ربك " للنبيء - صلى الله عليه وسلم - كان تتمارى مطاوع ماراه ، مثل : التدافع مطاوع دفع ، في قول المنخل :
فدفعتها فتدافعت مشي القطاة إلى الغدير
[ ص: 157 ] والمعنى : فبأي آلاء ربك يشككونك ، وهذا ينظر إلى قوله تعالى
أفتمارونه على ما يرى ، أي : لا يستطيعون أن يشككوك في حصول آلاء ربك التي هي نعم النبوة والتي منها رؤية
جبريل عند سدرة المنتهى . فالكلام مسوق لتأييس المشركين من الطمع في الكف عنهم .
وإن كان الخطاب لغير معين كان تتمارى تفاعلا مستعملا في المبالغة في حصول الفعل ، ولا يعرف فعل مجرد للمراء ، وإنما يقال : امترى ، إذا شك .