وكل أمر مستقر .
هذا تذييل للكلام السابق من قوله
وإن يروا آية يعرضوا إلى قوله أهواءهم ، فهو اعتراض بين جملة وكذبوا وجملة ولقد جاءهم من الأنباء ، والواو اعتراضية ، وهو جار مجرى المثل .
وكل من أسماء العموم . وأمر : اسم يدل على جنس عال ومثله شيء وموجود وكائن ، ويتخصص بالوصف كقوله تعالى
إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ، وقد يتخصص بالعقل أو العادة كما تخصص شيء في قوله تعالى عن ريح عاد :
تدمر كل شيء أي من الأشياء القابلة للتدمير . وهو هنا يعم الأمور ذوات التأثير ، أي تتحقق آثار مواهيها وتظهر خصائصها ولو اعترضتها عوارض تعطل حصول آثارها حينا كعوارض مانعة من ظهور خصائصها ، أو مدافعات يراد منها إزالة نتائجها ، فإن المؤثرات لا تلبث أن تتغلب على تلك الموانع والمدافعات في فرص تمكنها من ظهور الآثار والخصائص .
والكلام تمثيل شبهت حالة تردد آثار الماهية بين ظهور وخفاء إلى إبان التمكن من ظهور آثارها ، بحالة سير السائر إلى المكان المطلوب في مختلف الطرق بين بعد وقرب إلى أن يستقر في المكان المطلوب . وهي تمثيلية مكنية ، لأن التركيب الذي يدل على الحالة المشبه بها حذف ورمز إليه بذكر شيء من روادف معناه وهو وصف مستقر .
ومن هذا المعنى قوله تعالى
لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون وقد أخذه الكميت بن زيد في قوله :
فالآن صرت إلى أمي ة والأمور إلى مصائر
[ ص: 174 ] فالمراد بالاستقرار الذي في قوله " مستقر " الاستقرار في الدنيا .
وفي هذا تعريض بالإيماء
إيماء إلى أن أمر دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - سيرسخ ويستقر بعد تقلقله .
ومستقر : بكسر القاف اسم فاعل من استقر ، أي قر ، والسين والتاء للمبالغة مثل السين والتاء في استجاب .
وقرأ الجمهور برفع الراء من مستقر . وقرأه
أبو جعفر بخفض الراء على جعل " كل أمر " عطفا على الساعة . والتقدير : واقترب كل أمر . وجعل " مستقر " صفة أمر .
والمعنى : أن إعراضهم عن الآيات وافتراءهم عليها بأنها سحر ونحوه وتكذيبهم الصادق وتمالؤهم على ذلك لا يوهن وقعها في النفوس ، ولا يعوق إنتاجها . فأمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - صائر إلى مصير أمثاله الحق من الانتصار والتمام واقتناع الناس به وتزايد أتباعه ، وأن اتباعهم أهواءهم واختلاق معاذيرهم صائر إلى مصير أمثاله الباطلة من الانخذال والافتضاح وانتقاص الأتباع .
وقد تضمن هذا التذييل بإجماله تسلية للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وتهديدا للمشركين واستدعاء لنظر المترددين .