إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
استئناف بياني لأنه لما ذكر أن كل صغير وكبير مستطر على إرادة أنه معلوم ومجازى عليه وقد علم جزاء المجرمين من قوله
إن المجرمين في ضلال وسعر كانت نفس السامع بحيث تتشوف إلى مقابل ذلك من
جزاء المتقين وجريا على عادة القرآن من تعقيب النذارة بالبشارة والعكس .
وافتتاح هذا الخبر بحرف إن للاهتمام به .
[ ص: 225 ] و ( في ) من قوله
في جنات للظرفية المجازية التي هي بمعنى التلبس القوي كتلبس المظروف بالظرف ، والمراد في نعيم جنات ونهر فإن للجنات والأنهار لذات متعارفة من اللهو والأنس والمحادثة ، واجتناء الفواكه ، ورؤية الجداول وخرير الماء ، وأصوات الطيور ، وألوان السوابح .
وبهذا الاعتبار عطف ( نهر ) على جنات إذ ليس المراد الإخبار بأنهم ساكنون جنات فإن ذلك يغني عن قوله بعد
في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، ولا أنهم منغمسون في أنهار إذ لم يكن ذلك مما يقصده السامعون .
و ( نهر ) : بفتحتين لغة في نهر بفتح فسكون . والمراد به اسم الجنس الصادق المتعدد لقوله تعالى
من تحتهم الأنهار ، وقوله
في مقعد صدق إما في محل الحال من المتقين وإما في محل الخبر الثاني ل إن .
والمقعد : مكان القعود . والقعود هنا بمعنى الإقامة المطمئنة كما في قوله تعالى
اقعدوا مع القاعدين .
والصدق : أصله مطابقة الخبر للواقع ثم شاعت له استعمالات نشأت عن مجاز أو استعارة ترجع إلى معنى مصادفة أحد الشيء على ما يناسب كمال أحوال جنسه ، فيقال : هو رجل صدق ، أي تمام رجلة ، وقال
تأبط شرا : إني لمهد من ثنائي فقاصد به لابن عم الصدق
شمس بن مالك أي ابن العم حقا ، أي موف بحق القرابة .
وقال تعالى
ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق وقال في دعاء
إبراهيم عليه السلام
واجعل لي لسان صدق في الآخرين ويسمى الحبيب الثابت المحبة صديقا وصديقا .
فمقعد صدق ، أي : مقعد كامل في جنسه مرضي للمستقر فيه فلا يكون فيه استفزاز ولا زوال ، وإضافة مقعد إلى صدق من إضافة الموصوف إلى صفته للمبالغة في تمكن الصفة منه .
[ ص: 226 ] والمعنى : هم في مقعد يشمل كل ما يحمده القاعد فيه .
والمليك : فعيل بمعنى المالك مبالغة وهو أبلغ من ملك ، ومقتدر : أبلغ من قادر ، وتنكيره وتنكير مقتدر للتعظيم .
والعندية عندية تشريف وكرامة ، والظرف خبر بعد خبر .