[ ص: 281 ] إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة .
افتتاح السورة بالظرف المتضمن الشرط ، افتتاح بديع لأنه يسترعي الألباب لترقب ما بعد هذا الشرط الزماني مع ما في الاسم المسند إليه من التهويل بتوقع حدث عظيم يحدث .
و ( إذا ) ظرف زمان وهو متعلق بالكون المقدر في قوله في جنات النعيم إلخ وقوله
في سدر مخضود إلخ وقوله
في سموم وحميم إلخ . وضمن ( إذا ) معنى الشرط .
وجملة
ليس لوقعتها كاذبة استئناف بياني ناشئ عن قوله
إذا وقعت الواقعة إلخ وهو اعتراض بين جملة
إذا وقعت الواقعة وبين جملة
فأصحاب الميمنة إلخ .
والجواب قوله
فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ، فيفيد جوابا للشرط ويفيد تفصيل جملة
وكنتم أزواجا ثلاثة ، وتكون الفاء مستعملة في معنيين : ربط الجواب ، والتفريع ، وتكون جملة
ليس لوقعتها كاذبة وما بعده اعتراضا .
والواقعة أصلها : الحادثة التي وقعت ، أي حصلت ، يقال : وقع أمر ، أي حصل كما يقال : صدق الخبر مطابقته للواقع ، أي كون المعنى المفهوم منه موافقا لمسمى ذلك المعنى في الوجود الحاصل أو التوقع على حسب ذلك المعنى ، ومن ذلك حادثة الحرب يقال : واقعة
ذي قار ، وواقعة
القادسية .
فراعوا في تأنيثها معنى الحادثة أو الكائنة أو الساعة ، وهو تأنيث كثير في اللغة جار على ألسنة العرب لا يكونون راعوا فيه إلا معنى الحادثة أو الساعة أو نحو ذلك ، وقريب منه قولهم : دارت عليه الدائرة ، قال تعالى
يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة وقال عليهم دائرة السوء .
والمراد بالواقعة هنا القيامة فجعل هذا الوصف علما لها بالغلبة في اصطلاح القرآن ، قال تعالى
فيومئذ وقعت الواقعة كما سميت الصاخة والطامة والآزفة ،
[ ص: 282 ] أي الساعة الواقعة . وبهذا الاعتبار صار في قوله
إذا وقعت الواقعة محسن التجنيس .
و الواقعة : الموصوفة بالوقوع ، وهو الحدوث .
و كاذبة يجوز أن يكون اسم فاعل من كذب المجرد ، جرى على التأنيث للدلالة على أنه وصف لمحذوف مؤنث اللفظ . وتقديره هنا نفس ، أي تنتفي كل نفس كاذبة ، فيجوز أن يكون من كذب اللازم إذا قال خلاف ما في نفس الأمر وذلك أن منكري القيامة يقولون : لا تقع القيامة فيكذبون في ذلك فإذا وقعت الواقعة آمنت النفوس كلها بوقوعها فلم تبق نفس تكذب ، أي في شأنها أو في الإخبار عنها . وذلك التقدير كله مما يدل عليه المقام .
ويجوز أن يكون من كذب المتعدي مثل الذي في قولهم كذبت فلانا نفسه ، أي حدثته نفسه ، أي : رأيه بحديث كذب وذلك أن اعتقاد المنكر للبعث اعتقاد سوله له عقله القاصر فكأن نفسه حدثته حديثا كذبته به ، ويقولون : كذبت فلانا نفسه في الخطب العظيم ، إذا أقدم عليه فأخفق كأن نفسه لما شجعته على اقتحامه قد قالت له : إنك تطيقه فتعرض له ولا تبال به فإنك مذلله فإذا تبين له عجزه فكأن نفسه أخبرته بما لا يكون فقد كذبته ، كما يقال : كذبته عينه إذا تخيل مرئيا ولم يكن .
والمعنى : إذا وقعت القيامة تحقق منكروها ذلك فأقلعوا عن اعتقادهم أنها لا تقع وعلموا أنهم ضلوا في استدلالهم وهذا وعيد بتحذير المنكرين للقيامة من خزي الخيبة وسفاهة الرأي بين أهل الحشر .
وإطلاق صفة الكذب في جميع هذا استعارة بتشبيه السبب للفعل غير المثمر بالمخبر بحديث كذب أو تشبيه التسبب بالقول قال أبو علي الفارسي : الكذب ضرب من القول فكما جاز أن يتسع في القول في غير نطق نحو قول
أبي النجم :
قد قالت الأنساع للبطن الحق
[ ص: 283 ] جاز في الكذب أن يجعل في غير نطق نحو :
بأن كذب القراطف والقروف
.
واللام في لوقعتها لام التوقيت نحو
أقم الصلاة لدلوك الشمس وقوله تعالى
فطلقوهن لعدتهن . وقولهم : كتبته لكذا من شهر كذا ، وهي بمعنى عند وأصلها لام الاختصاص شاع استعمالها في اختصاص الموقت بوقته كقوله تعالى
ولما جاء موسى لميقاتنا . وهو توسع في معنى الاختصاص بحيث تنوسي أصل المعنى . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002548سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل فقال : الصلاة لوقتها . وهذا الاستعمال غير الاستعمال الذي في قوله تعالى
ليس لهم طعام إلا من ضريع .