[ ص: 304 ] وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم
إفضاء إلى النصف الثالث من الأزواج الثلاثة ، وهم أصحاب المشاقة . والقول في جملة
ما أصحاب الشمال وموقع جملة
في سموم بعدها كالقول في جملة
وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود .
والسموم : الريح الشديد الحرارة الذي لا بلل معه وكأنه مأخوذ من السم ، وهو ما يهلك إذا لاقى البدن .
والحميم : الماء الشديد الحرارة .
واليحموم : الدخان الأسود على وزن يفعول مشتق من الحمم بوزن صرد اسم للفحم . والحممة : الفحمة ، فجاءت زنة يفعول فيها اسما ملحوظا فيه هذا الاشتقاق وليس ينقاس .
وحرف ( من ) بيانية إذ الظل هنا أريد به نفس اليحموم ، أي الدخان الأسود .
ووصف ( ظل ) بأنه
من يحموم للإشعار بأنه ظل دخان لهب جهنم ، والدخان الكثيف له ظل لأنه بكثافته يحجب ضوء الشمس ، وإنما ذكر من الدخان ظله لمقابلته بالظل الممدود المعد لأصحاب اليمين في قوله
وظل ممدود ، أي لا ظل لأصحاب الشمال سوى ظل اليحموم ، وهذا من قبيل التهكم .
ولتحقيق معنى التهكم وصف هذا الظل بما يفيد نفي البرد عنه ونفي الكرم ، فبرد الظل ما يحصل في مكانه من دفع حرارة الشمس ، وكرم الظل ما فيه من الصفات الحسنة في الظلال مثل سلامته من هبوب السموم عليه ، وسلامة الموضع الذي يظله من الحشرات والأوساخ ، وسلامة أرضه من الحجارة ونحو ذلك إذ الكريم من كل نوع هو الجامع لأكثر محاسن نوعه ، كما تقدم في قوله تعالى
إني ألقي إلي كتاب كريم في سورة النمل ، فوصف ظل اليحموم بوصف
[ ص: 305 ] خاص وهو انتفاء البرودة عنه واتبع بوصف عام وهو انتفاء كرامة الظلال عنه ، ففي الصفة بنفي محاسن الظلال تذكير للسامعين بما حرم منه أصحاب الشمال عسى أن يحذروا أسباب الوقوع في الحرمان ، ولإفادة هذا التذكير عدل عن وصف الظل بالحرارة والمضرة إلى وصفه بنفي البرد ونفي الكرم .