لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون جملة
لو نشاء لجعلناه حطاما ، موقعها كموقع جملة
نحن قدرنا بينكم الموت في أنها استدلال بإفنائه ما أوجده على انفراده بالتصرف إيجادا وإعداما ، تكملة لدليل إمكان البعث .
واللام في قوله لجعلناه مفيدة للتأكيد . ويكثر اقتران جواب لو بهذه اللام إذا كان ماضيا مثبتا كما يكثر تجرده عنها كما سيجيء في الآية الموالية لهذه .
والحطام : الشيء الذي حطمه حاطم ، أي كسره ودقه فهو بمعنى المحطوم ،
[ ص: 322 ] كما تدل عليه زنة فعال مثل الفتات ، والجذاد والدقاق ، وكذلك المقترن منه بهاء التأنيث كالقصاصة والقلامة والكناسة والقمامة .
والمعنى : لو نشاء لجعلنا ما ينبت بعد خروجه من الأرض حطاما بأن نسلط عليه ما يحطمه من برد أو ريح أو حشرات قبل أن تنتفعوا به ، فالمراد جعله حطاما قبل الانتفاع به . وأما أن يؤول إلى الكون حطاما فذلك معلوم فلا يكون مشروطا بحرف لو الامتناعية .
وقوله
فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون تفريع على جملة
لجعلناه حطاما أي يتفرع على جعله حطاما أن تصيروا تقولون : إنا لمغرمون بل نحن محرومون ، ففعل ظلتم هنا بمعنى : صرتم ، وعلى هذا حمله جميع المفسرين .
وأعضل وقع فعل تفكهون ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد ،
وقتادة ،
وابن زيد : تفكهون تعجبون ، وعن
عكرمة : تتلاومون ، وعن
الحسن ،
وقتادة : تندمون ، وقال
ابن كيسان : تحزنون ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : هو تلهف على ما فات وهو - أي فعل تفكهون - من الأضداد تقول العرب : تفكهت ، أي تنعمت ، وتفكهت ، أي حزنت اهـ .
ذلك أن فعل تفكهون من مادة فكه والمشهور أن هذه المادة تدل على المسرة والفرح ولكن السياق سياق ضد المسرة ، وبيانه بقوله
إنا لمغرمون بل نحن محرومون يؤيد ذلك ، فالفكاهة : المسرة والانبساط ، وادعى
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي أنها من أسماء الأضداد واعتمده في القاموس إذ قال : وتفكه ، أكل الفاكهة وتجنب عن الفاكهة ضده . قال
ابن عطية : وهذا كله أي ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره في تفسير فظلتم تفكهون لا يخص اللفظة - أي هو تفسير بحاصل المعنى دون معاني الألفاظ والذي يخص اللفظة هو تطرحون الفاكهة كذا ولعل صوابه الفكاهة عن أنفسكم وهي المسرة والجذل ، ورجل فكه ، إذا كان منبسط النفس غير مكترث بشيء اهـ . يعني أن صيغة التفعل فيه مطاوعة فعل الذي تضعيفه للإزالة مثل قشر العود وقرد البعير ، وأثبت صاحب القاموس هذا القول ونسبه إلى
ابن عطية .
[ ص: 323 ] وجعلوا جملة
إنا لمغرمون تندما وتحسرا ، أي تعلمون أن حطم زرعكم حرمانا من الله جزاء لكفركم ، ومعنى مغرمون من الغرام وهو الهلاك كما في قوله تعالى
إن عذابها كان غراما . وهذا شبيه بما في سورة القلم من قوله تعالى
فلما رأوها قالوا إنا لضالون إلى قوله
إنا كنا طاغين .
فتحصل أن معنى الآية يجوز أن يكون جاريا على ظاهر مادة فعل تفكهون ويكون ذلك تهكما بهم حملا لهم على معتاد أخلاقهم من الهزل بآيات الله ، وقرينة التهكم ما بعده من قوله عنهم
إنا لمغرمون بل نحن محرومون .
ويجوز أن يكون محمل الآية على جعل تفكهون بمعنى تندمون وتحزنون ، ولذلك كان لفعل تفكهون هنا وقع يعوضه غيره .
وجملة
إنا لمغرمون مقول قول محذوف هو حال من ضمير تفكهون .
وقرأ الجمهور
إنا لمغرمون بهمزة واحدة وهي همزة إن ، وقرأه
أبو بكر عن
عاصم ( أئنا ) بهمزتين همزة استفهام وهمزة ( إن ) .