أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون .
هذا على طريقة قوله
أفرأيتم ما تحرثون الآية ، تفريعا واستفهاما وفعل رؤية .
ومناسبة الانتقال أن الحرث إنما ينبت زرعه وشجره بالماء فانتقل من الاستدلال لتكوين النبات إلى الاستدلال بتكوين الماء الذي به حياة الزرع والشجر . ووصف الماء بـ
الذي تشربون إدماج للمنة في الاستدلال ، أي : الماء العذب الذي تشربونه ، فإن
شرب الماء من أعظم النعم على الإنسان ليقابل بقوله بعده
لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون .
والمراد ماء المطر ولذلك قال
أأنتم أنزلتموه من المزن ، والمراد : أنزلتموه
[ ص: 324 ] على بلادكم وحروثكم . وماء المطر هو معظم شراب العرب المخاطبين حينئذ ولذلك يقال للعرب : بنو ماء السماء .
والمزن : جمع اسم مزنة وهي السحابة .
ووجه الاستدلال إنشاء ما به الحياة بعد أن كان معدوما بأن كونه الله تعالى في السحاب بحكمة تكوين الماء . فكما استدل بإيجاد الحي من أجزاء ميتة في خلق الإنسان والنبات استدل بإيجاد ما به الحياة عن عدم تقريبا لإعادة الأجسام بحكمة دقيقة خفية ، أي يجوز أن يمطر الله مطرا على ذوات الأجساد الإنسانية يكون سببا في تخلقها أجسادا كاملة كما كانت أصولها ، كما تتكون الشجرة من نواة أصلها ، وقد تم الاستدلال على البعث عند قوله
أم نحن المنزلون .
وقوله
أأنتم أنزلتموه من المزن جعل استدلالا منوطا بإنزال الماء من المزن على طريقة الكتابة بإنزاله ، عن تكوينه صالحا للشرب ، لأن إنزاله هو الذي يحصل منه الانتفاع به ولذلك وصف بقوله
الذي تشربون . وأعقب بقوله
لو نشاء جعلناه أجاجا فحصل بين الجملتين احتباك كأنه قيل : أأنتم خلقتموه عذبا صالحا للشرب وأنزلتموه من المزن لو نشاء جعلناه أجاجا ولأمسكناه في سحابته أو أنزلناه على البحار أو الخلاء فلم تنتفعوا به .