ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
عطف على جملة
فلما أحس عيسى منهم الكفر فإنه أحس منهم الكفر وأحس منهم بالغدر والمكر .
وضمير مكروا عائد إلى ما عاد إليه ضمير " منهم " وهم
اليهود وقد بين ذلك قوله تعالى في سورة الصف :
قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة . والمكر فعل يقصد به ضر أحد في هيئة تخفى عليه ، أو تلبيس فعل الإضرار بصورة النفع ، والمراد هنا :
تدبير اليهود لأخذ المسيح ، وسعيهم لدى ولاة الأمور ليمكنوهم من قتله . ومكر الله بهم هو تمثيل لإخفاق الله تعالى مساعيهم في حال ظنهم أن قد نجحت مساعيهم ، وهو هنا مشاكلة . وجاز إطلاق المكر على فعل
[ ص: 257 ] الله تعالى دون مشاكلة كما في قوله : أفأمنوا مكر الله ، في سورة الأعراف . وبعض أساتذتنا يسمي مثل ذلك مشاكلة تقديرية .
ومعنى
والله خير الماكرين أي أقواهم عند إرادة مقابلة مكرهم بخذلانه إياهم .
ويجوز أن يكون معنى خير الماكرين : أن الإملاء والاستدراج الذي يقدره للفجار والجبابرة والمنافقين ، الشبيه بالمكر في أنه حسن الظاهر سيئ العاقبة - هو خير محض لا يترتب عليه إلا الصلاح العام ، وإن كان يؤذي شخصا أو أشخاصا ، فهو من هذه الجهة مجرد عما في المكر من القبح ، ولذلك كانت أفعاله تعالى منزهة عن الوصف بالقبح أو الشناعة ، لأنها لا تقارنها الأحوال التي بها تقبح بعض أفعال العباد ; من دلالة على سفاهة رأي ، أو سوء طوية ، أو جبن ، أو ضعف ، أو طمع ، أو نحو ذلك . أي فإن كان في المكر قبح فمكر الله خير محض ، ولك على هذا الوجه أن تجعل " خير " بمعنى التفضيل وبدونه .