اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين .
جملة مستأنفة استئنافا بيانيا عن جملة
ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ، لأن ذلك يثير سؤال سائل أن يقول ما ألجأهم إلى الحلف على الكذب ، فأجيب بأن ذلك لقضاء مآربهم وزيادة مكرهم . ويجوز أن تجعل الجملة خبرا ثانيا لأن في قوله
إنهم ساء ما كانوا يعملون وتكون داخلة في التعليل .
والجنة : الوقاية والسترة ، من جن ، إذا استتر ، أي وقاية من شعور المسلمين بهم ليتمكنوا من صد كثير ممن يريد الدخول في الإسلام عن الدخول فيه لأنهم
[ ص: 50 ] يختلقون أكذوبات ينسبونها إلى الإسلام وذلك معنى التفريع بالفاء في قوله تعالى
فصدوا عن سبيل الله .
و ( صدوا ) يجوز أن يكون متعديا ، وحذف مفعوله لظهوره ، أي فصدوا الناس عن سبيل الله ، أي الإسلام بالتنبيط وإلصاق التهم والنقائص بالدين . ويجوز أن يكون الفعل قاصرا ، فصدوا هم عن سبيل الله ، ومجيء فعل صدوا عن سبيل الله ماضيا مفرعا على
اتخذوا أيمانهم جنة مع أن أيمانهم حصلت بعد أن صدوا عن سبيل الله على كلا المعنيين مراعى فيه التفريع الثاني وهو
فلهم عذاب مهين .
وفرع عليه
فلهم عذاب مهين ليعلم أن ما اتخذوا من أيمانهم جنة سبب من أسباب العذاب يقتضي مضاعفة العذاب . وقد وصف العذاب أول مرة بشديد وهو الذي يجازون به على توليهم قوما غضب الله عليهم وحلفهم على الكذب .
ووصف عذابهم ثانيا بـ ( مهين ) لأنه جزاء على صدهم الناس عن سبيل الله . وهذا معنى " شديد العذاب " لأجل عظيم الجرم كقوله تعالى
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب .
فكان العذاب مناسبا للمقصدين في كفرهم وهو عذاب واحد فيه الوصفان . وكرر ذكره إبلاغا في الإنذار والوعيد فإنه مقام تكرير مع تحسينه باختلاف الوصفين .