والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم .
[ ص: 96 ] عطف على
والذين تبوءوا الدار على التفسيرين المتقدمين; فأما على رأي من جعلوا
والذين تبوءوا الدار معطوفا على ( للفقراء المهاجرين ) جعلوا
الذين جاءوا من بعدهم فريقا من أهل القرى ، وهو غير
المهاجرين والأنصار بل هو من جاء إلى الإسلام بعد
المهاجرين والأنصار ، فضمير ( من بعدهم ) عائد إلى مجموع الفريقين .
والمجيء مستعمل للطرو والمصير إلى حالة تماثل حالهم ، وهي حالة الإسلام ، فكأنهم أتوا إلى مكان لإقامتهم ، وهذا فريق ثالث وهؤلاء هم الذين ذكروا في قوله تعالى بعد ذكر
المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أي اتبعوهم في الإيمان .
وإنما صيغ ( جاءوا ) بصيغة الماضي تغليبا لأن من العرب وغيرهم من أسلموا بعد الهجرة مثل
غفارة ، ومزينة ، وأسلم ، ومثل
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ، nindex.php?page=showalam&ids=23وسلمان الفارسي ، فكأنه قيل : الذين جاءوا ويجيئون ، بدلالة لحن الخطاب . والمقصود من هذا : زيادة دفع إيهام أن يختص
المهاجرون بما أفاء الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أهل القرى كما اختصهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - بفيء
بني النضير .
وقد شملت هذه الآية كل من يوجد من المسلمين أبد الدهر وعلى هذا جرى فهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه . روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من طريق
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن أبيه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002603قال عمر لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها ( أي الفاتحين ) كما قسم النبيء - صلى الله عليه وسلم - خيبر .
وذكر
القرطبي :
أن عمر دعا المهاجرين والأنصار واستشارهم فيما فتح الله عليه وقال لهم : تثبتوا الأمر وتدبروه ثم اغدوا علي فلما غدوا عليه قال : قد مررت بالآيات التي في سورة الحشر وتلا
ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى إلى قوله ( أولئك هم الصادقون ) . قال : ما هي لهؤلاء فقط وتلا
والذين جاءوا من بعدهم إلى قوله ( رؤف رحيم ) ثم قال : ما بقي من أهل الإسلام إلا وقد دخل في ذلك اهـ .
وهذا ظاهر في الفيء ، وأما ما فتح عنوة فمسألة أخرى
nindex.php?page=showalam&ids=2ولعمر بن الخطاب في
[ ص: 97 ] عدم قسمته سواد
العراق بين جيش الفاتحين له عمل آخر ، وهو ليس غرضنا . ومحله كتب الفقه والحديث .
والفريق من المفسرين الذين جعلوا قوله تعالى
والذين تبوءوا الدار والإيمان كلاما مستأنفا ، وجعل
يحبون من هاجر إليهم خبرا عن اسم الموصول ، جعلوا قوله
والذين جاءوا من بعدهم كذلك مستأنفا .
ومن الذين جعلوا قوله ( والذين تبوءوا ) معطوفا على
للفقراء المهاجرين من جعل قوله
والذين جاءوا من بعدهم مستأنفا . ونسبه
ابن الفرس في أحكام القرآن إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . ورأى أن
الفيء إذا كان أرضا فهو إلى تخيير الإمام وليس يتعين صرفه للأصناف المذكورة في فيء
بني النضير .
وجملة
يقولون ربنا اغفر لنا على التفسير المختار في موضع الحال من
الذين جاءوا من بعدهم .
والغل بكسر الغين : الحسد والبغض ، أي سألوا الله أن يطهر نفوسهم من الغل والحسد للمؤمنين السابقين على ما أعطوه من فضيلة صحبة النبيء - صلى الله عليه وسلم - وما فضل به بعضهم من الهجرة وبعضهم من النصرة ، فبين الله للذين جاءوا من بعدهم ما يكسبهم فضيلة ليست
للمهاجرين والأنصار ، وهي فضيلة الدعاء لهم بالمغفرة وانطواء ضمائرهم على محبتهم وانتفاء البغض لهم .
والمراد أنهم يضمرون ما يدعون الله به لهم في نفوسهم ويرضون أنفسهم عليه .
وقد دلت الآية على أن حقا على المسلمين أن يذكروا سلفهم بخير ، وأن حقا عليهم
محبة المهاجرين والأنصار وتعظيمهم ، قال
مالك : من كان يبغض أحدا من أصحاب
محمد - صلى الله عليه وسلم - أو كان قلبه عليه غل فليس له حق في فيء المسلمين ، ثم قرأ
والذين جاءوا من بعدهم الآية .
فلعله أخذ بمفهوم الحال من قوله تعالى
يقولون ربنا اغفر لنا الآية ، فإن المقصد من الثناء عليهم بذلك أن يضمروا مضمونه في نفوسهم فإذا أضمروا خلافه وأعلنوا بما ينافي ذلك فقد تخلف فيهم هذا الوصف ، فإن الفيء عطية
[ ص: 98 ] أعطاها الله تلك الأصناف ولم يكتسبوها بحق قتال ، فاشترط الله عليهم في استحقاقها أن يكونوا محبين لسلفهم غير حاسدين لهم .
وهو يعني إلا ما كان من شنآن بين شخصين لأسباب عادية أو شرعية مثل ما كان بين
العباس وعلي حين تحاكما إلى
عمر ، فقال
العباس : اقض بيني وبين هذا الظالم الخائن الغادر . ومثل إقامة
عمر حد القذف على
أبي بكرة .
وأما ما جرى بين
عائشة وعلي من النزاع والقتال وبين
علي ومعاوية من القتال فإنما كان انتصارا للحق في كلا رأيي الجانبين وليس ذلك لغل أو تنقص ، فهو كضرب القاضي أحدا تأديبا له فوجب إمساك غيرهم من التحزب لهم بعدهم فإنه وإن ساغ ذلك لآحادهم لتكافئ درجاتهم أو تقاربها . والظن بهم زوال الحزازات من قلوبهم بانقضاء تلك الحوادث ، لا يسوغ ذلك للأذناب من بعدهم الذين ليسوا منهم في عير ولا نفير ، وإنما هي مسحة من حمية الجاهلية نخرت عضد الأمة المحمدية .