ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير .
الأظهر أن يكون هذا
من كلام إبراهيم وقومه وجملة
إلا قول إبراهيم إلى آخرها معترضة بين أجزاء القول فهو مما أمر المسلمون أن يأتسوا به ، وبه يكون الكلام شديد الاتصال مع قوله
لقد كان لكم فيهم إسوة حسنة .
ويحتمل أن يكون تعليما للمؤمنين أن يقولوا هذا الكلام ويستحضروا معانيه ليجري عملهم بمقتضاه فهو على تقدير أمر بقول محذوف والمقصود من القول العمل بالقول فإن الكلام يجدد المعنى في نفس المتكلم به ويذكر السامع من غفلته . وهذا تتميم لما أوصاهم به من مقاطعة الكفار بعد التحريض على الائتساء
بإبراهيم ومن معه .
فعلى المعنى الأول يكون حكاية لما قاله
إبراهيم وقومه بما يفيد حاصل معانيه فقد يكون هو معنى ما حكاه الله عن
إبراهيم من قوله
[ ص: 147 ] الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين .
فإن
التوكل على الله في أمور الحياة بسؤاله النجاح في ما يصلح أعمال العبد في مساعيه ، وأعظمه النجاح في دينه وما فيه قوام عيشه ثم ما فيه دفع الضر . وقد جمعها قول
إبراهيم هناك
فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين . وهذا جمعه قوله هنا
عليك توكلنا والذي يميتني ثم يحيين جمعه قوله
وإليك المصير فإن المصير مصيران مصير بعد الحياة ومصير بعد البعث .
وقوله
والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي فإن وسيلة الطمع هو التوبة وقد تضمنه قوله
وإليك أنبنا .
وعلى المعنى الثاني هو
تعليم للمؤمنين أن يصرفوا توجههم إلى الله بإرضائه ولا يلتفتوا إلى ما لا يرضاه وإن حسبوا أنهم ينتفعون به فإن رضى الله مقدم على ما دونه .
والقول في معنى التوكل تقدم عند قوله تعالى
فإذا عزمت فتوكل على الله في سورة آل عمران .
والإنابة : التوبة ، وتقدمت عند قوله تعالى
إن إبراهيم لحليم أواه منيب في سورة هود ، وعند قوله
منيبين إليه في سورة الروم .
وتقديم المجرور على هذه الأفعال لإفادة القصر ، وهو قصر بعضه ادعائي وبعضه حقيقي كما تصرف إليه القرينة .
وإعادة النداء بقولهم ( ربنا ) إظهار للتضرع مع كل دعوة من الدعوات الثلاث .