يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون .
ناداهم بوصف الإيمان تعريضا بأن الإيمان من شأنه أن يزع المؤمن عن أن يخالف فعله قوله في الوعد بالخير .
واللام لتعليل المستفهم عنه وهو الشيء المبهم الذي هو مدلول ما الاستفهامية لأنها تدل على أمر مبهم يطلب تعيينه .
والتقدير : تقولون ما لا تفعلون لأي سبب أو لأية علة .
وتتعلق اللام بفعل ( تقولون ) المجرور مع حرف الجر لصدارة الاستفهام .
والاستفهام عن العلة مستعمل هنا في إنكار أن يكون سبب ذلك مرضيا لله تعالى ، أي أن ما يدعوهم إلى ذلك هو أمر منكر وذلك كناية عن اللوم والتحذير من ذلك كما في قوله تعالى
قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل في سورة البقرة .
[ ص: 175 ] فيجوز أن يكون القول الذي قالوه وعدا وعدوه ولم يفوا به . ويجوز أن يكون خبرا أخبروا به عن أنفسهم لم يطابق الواقع . وقد مضى استيفاء ذلك في الكلام على صدر السورة .
وهذا كناية عن تحذيرهم من الوقوع في مثل ما فعلوه يوم أحد بطريق الرمز ، وكناية عن اللوم على ما فعلوه يوم أحد بطريق التلويح .
وتعقيب الآية بقوله
إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا إلخ . يؤذن بأن اللوم على وعد يتعلق بالجهاد في سبيل الله . وبذلك يلتئم معنى الآية مع حديث
الترمذي في سبب النزول وتندحض روايات أخرى رويت في سبب نزولها ذكرها في الكشاف .
وفيه تعريض بالمنافقين إذ يظهرون الإيمان بأقوالهم وهم لا يعملون أعمال أهل الإيمان بالقلب ولا بالجسد . قال
ابن زيد : هو قول المنافقين للمؤمنين نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك .
وجملة
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون بيان لجملة
لم تقولون ما لا تفعلون تصريحا بالمعنى المكنى عنه بها .
وهو خبر عن كون قولهم
ما لا تفعلون أمرا كبيرا في جنس المقت .
والكبر : مستعار للشدة لأن الكبير فيه كثرة وشدة في نوعه .
و ( أن تقولوا ) فاعل ( كبر ) .
والمقت : البغض الشديد . وهو هنا بمعنى اسم المفعول .
وانتصب مقتا على التمييز لجهة الكبر . وهو تمييز نسبة .
والتقدير : كبر ممقوتا قولكم ما لا تفعلونه .
ونظم هذا الكلام بطريقة الإجمال ثم التفصيل بالتمييز لتهويل هذا الأمر في قلوب السامعين لكون الكثير منهم بمظنة التهاون في الحيطة منه حتى وقعوا فيما وقعوا يوم أحد . ففيه وعيد على تجدد مثله ، وزيد المقصود اهتماما بأن وصف المقت بأنه عند الله ، أي مقت لا تسامح فيه .
[ ص: 176 ] وعدل عن جعل فاعل ( كبر ) ضمير القول بأن يقتصر على
كبر مقتا عند الله أو يقال : كبر ذلك مقتا ، لقصد زيادة التهويل بإعادة لفظه ، ولإفادة التأكيد .
و ( ما ) في قوله ( ما لا تفعلون ) في الموضعين موصولة ، وهي بمعنى لام العهد ، أي الفعل الذي وعدتم أن تفعلوه وهو أحب الأعمال إلى الله أو الجهاد . فاقتضت الآية أن الوعد في مثل هذا يجب الوفاء به لأن الموعود به طاعة فالوعد به من قبيل النذر المقصود منه القربة فيجب الوفاء به .