[ ص: 236 ] اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون .
استئناف بياني لأن تكذيب الله تعالى إياهم في قولهم للنبيء - صلى الله عليه وسلم -
نشهد إنك لرسول الله ، يثير في أنفس السامعين سؤالا عن أيمانهم لدى النبيء - صلى الله عليه وسلم - بأنهم مؤمنون به وأنهم لا يضمرون بغضه فأخبر الله عنهم بأنهم اتخذوا أيمانهم تقية يتقون بها وقد وصفهم الله بالحلف بالأيمان الكاذبة في آيات كثيرة من القرآن .
والجنة : ما يستتر به ويتقى ومنه سميت الدرع جنة .
والمعنى : جعلوا أيمانهم كالجنة يتقى بها ما يلحق من أذى . فلما شبهت الأيمان بالجنة على طريقة التشبيه البليغ ، أتبع ذلك بتشبيه الحلف باتخاذ الجنة ، أي استعمالها ، ففي اتخذوا استعارة تبعية ، وليس هذا خاصا بحلف
عبد الله بن أبي أنه ما قال
لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، كما تقدم في ذكر سبب نزولها ، بل هو أعم ، ولذلك فالوجه حمل ضمائر الجمع في قوله
اتخذوا أيمانهم الآية على حقيقتها ، أي اتخذ المنافقون كلهم أيمانهم جنة ، أي كانت تلك تقيتهم ، أي تلك شنشنة معروفة فيهم .
فصدوا عن سبيل الله تفريع لصدهم عن سبيل الله على الحلف الكاذب لأن
اليمين الفاجرة من كبائر الإثم لما فيها من الاستخفاف بجانب الله تعالى ولأنهم لما حلفوا على الكذب ظنوا أنهم قد أمنوا اتهام المسلمين إياهم بالنفاق فاستمروا على الكفر والمكر بالمسلمين وذلك صد عن سبيل الله ، أي إعراض عن الأعمال التي أمر الله بسلوكها .
وفعل ( صدوا ) هنا قاصر الذي قياس مضارعه ( يصد ) بكسر الصاد .
وجملة
إنهم ساء ما كانوا يعملون تذييل لتفظيع حالهم عن السامع . وساء من أفعال الذم تلحق ببئس على تقدير تحويل صيغة فعلها عن فعل المفتوح العين إلى فعل المضمومها لقصد إفادة الذم مع إفادة التعجب بسبب ذلك التحويل كما نبه عليه صاحب الكشاف وأشار إليه صاحب التسهيل .