وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون .
هذا حالهم في العناد ومجافاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والإعراض عن التفكر في الآخرة ، بله الاستعداد للفوز فيها .
و (
تعالوا ) طلب من المخاطب بالحضور عند الطالب ، وأصله فعل أمر من التعالي ، وهو تكلف العلو ، أي الصعود ، وتنوسي ذلك وصار لمجرد طلب الحضور ، فلزم حالة واحدة فصار اسم فعل ، وتقدم عند قوله تعالى
قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الآية في سورة الأنعام .
وهذا الطلب يجعل (
تعالوا ) مشعرا بأن هذه حالة من أحوال انفرادهم في جماعتهم فهي ثالث الأغراض من بيان مختلف أنواع تلك الأحوال ، وقد ابتدأت ب إذا كما ابتدئ الغرضان السابقان ب إذا
إذا جاءك المنافقون . و
إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم .
والقائل لهم ذلك يحتمل أن يكون بعض المسلمين وعظوهم ونصحوهم ، ويحتمل أنه بعض منهم اهتدى وأراد الإنابة .
قيل المقول له هو
عبد الله بن أبي ابن سلول على نحو ما تقدم من الوجوه في ذكر المنافقين بصيغة الجمع عند قوله
إذا جاءك المنافقون وما بعده .
والمعنى : اذهبوا إلى رسول الله وسلوه الاستغفار لكم . وهذا يدل دلالة اقتضاء على أن المراد توبوا من النفاق وأخلصوا الإيمان وسلوا رسول الله ليستغفر لكم ما فرط منكم ، فكان الذي قال لهم ذلك مطلعا على نفاقهم وهذا كقوله تعالى في
[ ص: 244 ] سورة البقرة
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء .
وليس المراد من الاستغفار الصفح عن قول
عبد الله بن أبي ليخرجن الأعز منها الأذل . لأن
ابن أبي ذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبرأ من أن يكون قال ذلك ولأنه لا يلتئم مع قوله تعالى
لن يغفر الله لهم .
ولي الرءوس : إمالتها إلى جانب غير وجاه المتكلم . إعراضا عن كلامه ، أي أبوا أن يستغفروا لأنهم ثابتون على النفاق ، أو لأنهم غير راجعين فيما قالوه من كلام بذيء في جانب المسلمين ، أو لئلا يلزموا بالاعتراف بما نسب إليهم من النفاق .
وقرأ الجمهور ( لووا ) بتشديد الواو الأولى مضاعف ( لوى ) للدلالة على الكثرة فيقتضي كثرة اللي منهم ، أي لوى جمع كثير منهم رءوسهم ، وقرأ
نافع وروح عن
يعقوب بتخفيف الواو الأولى اكتفاء بإسناد الفعل إلى ضمير الجماعة .
والخطاب في ورأيتهم لغير معين ، أي ورأيتهم يا من يراهم حينئذ .
وجملة
وهم مستكبرون في موضع الحال من ضمير يصدون ، أي يصدون صد المتكبر عن طلب الاستغفار .