[ ص: 291 ] وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون .
أي من
اليهود طائفة تخيل للمسلمين أشياء أنها مما جاء في التوراة ، وليست كذلك ، إما في الاعتذار عن بعض أفعالهم الذميمة ، كقولهم :
ليس علينا في الأميين سبيل ، وإما للتخليط على المسلمين حتى يشككوهم فيما يخالف ذلك مما ذكره القرآن ، أو لإدخال الشك عليهم في بعض ما نزل به القرآن ، فاللي مجمل ، ولكنه مبين بقوله
لتحسبوه من الكتاب وقوله
ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله .
واللي في الأصل : الإراغة أي إدارة الجسم غير المتصلب إلى غير الصوب الذي هو ممتد إليه : فمن ذلك لي الحبل ، ولي العنان للفرس لإدارته إلى جهة غير صوب سيره ، ومنه لي العنق ، ولي الرأس بمعنى الالتفات الشزر أو الإعراض قال تعالى :
لووا رءوسهم .
واللي في هذه الآية يحتمل أن يكون حقيقة بمعنى تحريف اللسان عن طريق حرف من حروف الهجاء إلى طريق حرف آخر يقاربه لتعطي الكلمة في أذن السامع جرس كلمة أخرى ، وهذا مثل ما حكى الله عنهم في قولهم راعنا وفي الحديث من قولهم في السلام على النبيء السام عليك أي الموت أو السلام - بكسر السين - عليك وهذا اللي يشابه الإشمام والاختلاس ومنه إمالة الألف إلى الياء ، وقد تتغير الكلمات بالترقيق والتفخيم وباختلاف صفات الحروف ، والظاهر أن الكتاب التوراة فلعلهم كانوا إذا قرءوا بعض التوراة بالعربية نطقوا بحروف من كلماتها بين بين ليوهموا المسلمين معنى غير المعنى المراد ، وقد كانت لهم مقدرة ومراس في هذا .
وقريب من هذا ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد في الكامل أن بعض الأزارقة أعاد بيت
nindex.php?page=showalam&ids=16674عمر بن أبي ربيعة في مجلس
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخصر
[ ص: 292 ] فجعل يضحى يحزى وجعل يخصر يخسر بالسين ليشوه المعنى لأنه غضب من إقبال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على سماع شعره . وفي الأحاجي والألغاز من هذا كقولهم : إن للاهي إلها فوقه فيقولها أحد بحضرة ناس ولا يشبع كسرة اللاهي يخالها السامع لله فيظنه كفر . أو لعلهم كانوا يقرءون ما ليس من التوراة بالكيفيات أو اللحون التي كانوا يقرءون بها التوراة ليخيلوا للسامعين أنهم يقرءون التوراة .
ويحتمل أن يكون اللي هنا مجازا عن صرف المعنى إلى معنى آخر كقولهم : لوى الحجة أي ألقى بها على غير وجهها ، وهو تحريف الكلم عن مواضعه : بالتأويلات الباطلة ، والأقيسة الفاسدة ، والموضوعات الكاذبة ، وينسبون ذلك إلى الله ، وأيا ما كان فهذا اللي يقصدون منه التمويه على المسلمين لغرض ، كما فعل
ابن صوريا في إخفاء حكم رجم الزاني في التوراة وقوله : نحمم وجهه .
والمخاطب بتحسبوه المسلمون دون النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، أو هو والمسلمون في ظن
اليهود .
وجيء بالمضارع في هاته الأفعال : يلوون ، يقولون ، للدلالة على تجدد ذلك وأنه دأبهم .
وتكرير الكتاب في الآية مرتين ، واسم الجلالة أيضا مرتين ، لقصد الاهتمام بالاسمين ، وذلك يجر إلى الاهتمام بالخبر المتعلق بهما ، والمتعلقين به ، قال
المرزوقي في شرح الحماسة في باب الأدب عند قول
nindex.php?page=showalam&ids=14888يحيى بن زياد :
ولما رأيت الشيب لاح بياضه بمفرق رأسي قلت للشيب مرحبا
كان الواجب أن يقول : قلت له مرحبا لكنهم يكررون الأعلام وأسماء الأجناس كثيرا والقصد بالتكرير التفخيم قلت ومنه قول الشاعر :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء قهر الموت ذا الغنى والفقيرا
وقد تقدم تفصيل ذلك في سورة البقرة
واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم .
[ ص: 293 ] والقراءة المعروفة يلوون : بفتح التحتية وسكون اللام وتخفيف الواو مضارع لوى ، وذكر
ابن عطية أن
أبا جعفر قرأه : يلوون بضم ففتح فواو مشددة مضارع لوى بوزن فعل للمبالغة ولم أر نسبة هذه القراءة إلى
أبي جعفر في كتب القراءات .