كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون رجوع إلى تهديد المشركين المبدوء من قوله
إنا بلوناهم فالكلام فذلكة وخلاصة لما قبله وهو استئناف ابتدائي .
والمشار إليه باسم الإشارة هو ما تضمنته القصة من تلف جنتهم وما أحسوا به عند رؤيتها على تلك الحالة ، وتندمهم وحسرتهم ، أي مثل ذلك المذكور يكون العذاب في الدنيا ، فقوله ( كذلك ) مسند مقدم و ( العذاب ) مسند إليه . وتقديم المسند للاهتمام بإحضار صورته في ذهن السامع .
والتعريف في ( العذاب ) تعريف الجنس وفيه توجيه بالعهد الذهني ، أي عذابكم الموعد مثل عذاب أولئك والمماثلة في إتلاف الأرزاق والإصابة بقطع الثمرات .
وليس التشبيه في قوله
كذلك العذاب مثل التشبيه في قوله
وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، ونحوه ما تقدم في سورة البقرة بل ما هنا من قبيل التشبيه
[ ص: 90 ] المتعارف ، لوجود ما يصلح لأن يكون مشبها به العذاب وهو كون المشبه به غير المشبه ، ونظيره قوله تعالى
وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة بخلاف ما في سورة البقرة فإن المشبه به هو عين المشبه لقصد المبالغة في بلوغ المشبه غاية ما يكون فيه وجه الشبه بحيث أريد تشبيهه لا يلجأ إلا إلى تشبيهه بنفسه فيكون كناية عن بلوغه أقصى مراتب وجه الشبه .
والمماثلة بين المشبه والمشبه به مماثلة في النوع وإلا فإن ما توعدوا به من القحط أشد مما أصاب أصحاب الجنة وأطول .
وقوله
ولعذاب الآخرة أكبر دال على أن المراد بقوله
كذلك العذاب عذاب الدنيا .
وضمير
لو كانوا يعلمون عائد إلى ما عاد إليه ضمير الغائب في قوله ( بلوناهم ) ، وهم المشركون فإنهم كانوا ينكرون عذاب الآخرة فهددوا بعذاب الدنيا ، ولا يصح عوده إلى
أصحاب الجنة لأنهم كانوا مؤمنين بعذاب الآخرة وشدته .