كذبت ثمود وعاد بالقارعة إن جعلت قوله
وما أدراك ما الحاقة نهاية كلام فموقع قوله
[ ص: 115 ] كذبت ثمود وعاد بالقارعة وما اتصل به استئناف ، وهو تذكير لما حل بثمود وعاد لتكذيبهم بالبعث والجزاء تعريضا بالمشركين من
أهل مكة بتهديدهم أن يحق عليه مثل ما حل بثمود وعاد فإنهم سواء في التكذيب بالبعث ، وعلى هذا يكون قوله ( الحاقة ) إلخ توطئة له وتمهيدا لهذه الموعظة العظيمة استرهابا لنفوس السامعين .
وإن جعلت الكلام متصلا بجملة
كذبت ثمود وعاد بالقارعة وعينت لفظ ( الحاقة ) ليوم القيامة وكانت هذه الجملة خبرا ثالثا عن ( الحاقة ) .
والمعنى : الحاقة كذبت بها ثمود وعاد ، فكان مقتضى الظاهر أن يؤتى بضمير ( الحاقة ) فيقال : كذبت ثمود وعاد بها ، فعدل إلى إظهار اسم ( القارعة ) لأن ( القارعة ) مرادفة ( الحاقة ) في أحد محملي لفظ ( الحاقة ) وهذا كالبيان للتهويل الذي في قوله
وما أدراك ما الحاقة .
و ( القارعة ) مراد منها ما أريد ب ( الحاقة ) .
وابتدئ بثمود وعاد في الذكر من بين الأمم المكذبة ؛ لأنهما أكثر الأمم المكذبة شهرة عند المشركين من
أهل مكة ؛ لأنهما من الأمم العربية ؛ ولأن ديارهما مجاورة شمالا وجنوبا .
والقارعة : اسم فاعل من قرعه ، إذا ضربه ضربا قويا ، يقال : قرع البعير . وقالوا : العبد يقرع بالعصا ، وسميت المواعظ التي تنكسر لها النفس قوارع لما فيها من زجر الناس عن أعمال . وفي المقامة الأولى " ويقرع الأسماع بزواجر وعظه " ، ويقال للتوبيخ تقريع ، وفي المثل " لا تقرع له العصا ولا يقلقل له الحصا " ومورده في
عامر بن الظرب العدواني في قصة أشار إليها المتلمس في بيت .
ف ( القارعة ) هنا صفة لموصوف محذوف يقدر لفظه مؤنثا ليوافق وصفه المذكور نحو الساعة أو القيامة . القارعة : أي التي تصيب الناس بالأهوال والأفزاع ، أو التي تصيب الموجودات بالقرع مثل دك الجبال ، وخسف الأرض ، وطمس النجوم ، وكسوف الشمس كسوفا لا انجلاء له فشبه ذلك بالقرع .
ووصف الساعة أو القيامة بذلك مجاز عقلي من إسناد الوصف إلى غير ما هو له بتأول لملابسته ما هو له ؛ إذ هي زمان القرع قال تعالى
[ ص: 116 ] القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث الآية . وهي ما سيأتي بيانها في قوله
فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة الآيات .
وجيء في الخبر عن هاتين الأمتين بطريقة اللف والنشر ؛ لأنهما اجتمعتا في موجب العقوبة ثم فصل ذكر عذابهما .