إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم افتتاح الكلام بالتوكيد للاهتمام بالخبر إذ ليس المقام لرد إنكار منكر ، ولا دفع شك عن متردد في هذا الكلام . وكثيرا ما يفتتح بلغاء العرب أول الكلام بحرف التوكيد لهذا الغرض وربما جعلوا ( إن ) داخلة على ضمير الشأن في نحو قوله تعالى
إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم أن لا تعلوا علي الآية .
وذكر
نوح - عليه السلام - مضى في سورة آل عمران . وتقدم أن هذا الاسم غير عربي ، وأنه غير مشتق من مادة النوح .
و
أن أنذر قومك إلى آخره هو مضمون ما أرسل به
نوح إلى قومه ، فـ ( أن ) تفسيرية لأنها وقعت بعد أرسلنا . وفيه معنى القول دون حروفه . ومعنى
من قبل أن يأتيهم عذاب أليم أنه يخوفهم غضب الله تعالى عليهم إذ عبدوا الأصنام ولم يتقوا الله ولم يطيعوا ما جاءهم به رسوله ، فأمره الله أن ينذرهم عذابا يأتيهم من الله ليكون إنذاره مقدما على حلول العذاب . وهذا يقتضي أنه أمر
[ ص: 187 ] بأن يعلمهم بهذا العذاب ، وأن الله وقته بمدة بقائهم بعد الشرك بعد إبلاغ
نوح إليهم ما أرسل به في مدة يقع الإبلاغ في مثلها ، فحذف متعلق فعل أنذر لدلالة ما يأتي بعده من قوله
أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون .
وحرف ( من ) زائد للتوكيد ، أي : قبل أن يأتيهم عذاب ، فهي قبلية مؤكدة ، وتأكيدها باعتبار تحقيق ما أضيف إليه ( قبل ) .
و قوم نوح هم الناس الذين كانوا عامرين الأرض يومئذ ، إذ لا يوجد غيرهم على الأرض كما هو ظاهر حديث الشفاعة وذلك صريح ما في التوراة .
والقوم : الجماعة من الناس الذين يجمعهم موطن واحد أو نسب واحد برجالهم ونسائهم وأطفالهم .
وإضافة ( قوم ) إلى ضمير (
نوح ) ؛ لأنه أرسل إليهم فلهم مزيد اختصاص به ، ولأنه واحد منهم وهم بين أبناء له وأنسباء فإضافتهم إلى ضميره تعريف لهم إذ لم يكن لهم اسم خاص من أسماء الأمم الواقعة من بعد .
وعدل عن أن يقال له : أنذر الناس إلى قوله
أنذر قومك إلهابا لنفس
نوح ليكون شديد الحرص على ما فيه نجاتهم من العذاب ، فإن فيهم أبناءه وقرابته وأحبته ، وهم عدد تكون بالتوالد في بني
آدم في مدة ستمائة سنة من حلول جنس الإنسان على الأرض . ولعل عددهم يوم أرسل
نوح إليهم لا يتجاوز بضعة آلاف .