والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا أنشأ الاستدلال بخلق السماوات حضور الأرض في الخيال فأعقب
نوح به دليله السابق ، استدلالا بأعجب ما يرونه من أحوال ما على الأرض وهو حال الموت والإقبار ، ومهد لذلك ما يتقدمه من إنشاء الناس .
وأدمج في ذلك تعليمهم بأن
الإنسان مخلوق من عناصر الأرض مثل النبات وإعلامهم بأن بعد الموت حياة أخرى .
وأطلق على معنى : أنشأكم ، فعل أنبتكم للمشابهة بين إنشاء الإنسان وإنبات النبات من حيث إن كليهما تكوين كما قال تعالى
وأنبتها نباتا حسنا ، أي : أنشأها وكما يقولون : زرعك الله للخير ، ويزيد وجه الشبه هنا قربا من حيث إن إنشاء الإنسان مركب من عناصر الأرض ، وقيل : التقدير أنبت أصلكم ، أي :
آدم - عليه السلام - ، قال تعالى
كمثل آدم خلقه من تراب .
ونباتا : اسم من أنبت ، عومل معاملة المصدر فوقع مفعولا مطلقا لـ ( أنبتكم ) للتوكيد ، ولم يجر على قياس فعله فيقال : إنباتا ، ؛ لأن نباتا أخف فلما تسنى الإتيان به ؛ لأنه مستعمل فصيح لم يعدل عنه إلى الثقيل كمالا في الفصاحة ، بخلاف قوله بعده ( إخراجا ) فإنه لم يعدل عنه إلى : خروجا ، لعدم ملاءمته لألفاظ
[ ص: 205 ] الفواصل قبله المبنية على ألف مثل ألف التأسيس فكما تعد مخالفتها في القافية عيبا كذلك تعد المحافظة عليها في الأسجاع والفواصل كمالا .
وقد أدمج الإنذار بالبعث في خلال الاستدلال ، ولكونه أهم رتبة من الاستدلال عليهم بأصل الإنشاء عطفت الجملة بـ ( ثم ) الدالة على التراخي الرتبي في قوله
ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ؛ لأن المقصود من الجملة هو فعل ويخرجكم ، وأما قوله
ثم يعيدكم فهو تمهيد له .
وأكد ( يخرجكم ) بالمفعول المطلق لرد إنكارهم البعث .