وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا [ ص: 232 ] قرأ الجمهور
وأبو جعفر بكسر الهمزة . وقرأ
ابن عامر وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص وخلف بفتحها وهو من قول الجن .
وقراءة فتح الهمزة عطف على المجرور بالباء ، أي : آمنا بأنا منا الصالحون ، أي : أيقنا بذلك وكنا في جهالة عن ذلك .
ظهرت عليهم آثار التوفيق فعلموا أنهم أصبحوا فريقين ، فريق صالحون وفريق ليسوا بصالحين ، وهم يعنون بالصالحين أنفسهم وبمن دون الصلاح بقية نوعهم ، فلما قاموا مقام دعوة إخوانهم إلى اتباع طريق الخير لم يصارحوهم بنسبتهم إلى الإفساد بل ألهموا وقالوا منا الصالحون ، ثم تلطفوا فقالوا : ومنا دون ذلك ، الصادق بمراتب متفاوتة في الشر والفساد ليتطلب المخاطبون دلائل التمييز بين الفريقين ، على أنهم تركوا لهم احتمال أن يعنى بالصالحين الكاملون في الصلاح ، فيكون المعني بمن دون ذلك من هم دون مرتبة الكمال في الصلاح ، وهذا من بليغ العبارات في الدعوة والإرشاد إلى الخير .
ودون : اسم بمعنى ( تحت ) ، وهو ضد فوق ، ولذلك كثر نصبه على الظرفية المكانية ، أي : في مكان منحط عن الصالحين .
والتقدير : ومنا فريق في مرتبة دونهم .
وظرفية ( دون ) مجازية . ووقع الظرف هنا ظرفا مستقرا في محل الصفة لموصوف محذوف تقديره : فريق ، كقوله تعالى
وما منا إلا له مقام معلوم ويطرد حذف الموصوف إذا كان بعض اسم مجرور بحرف ( من ) مقدم عليه وكانت الصفة ظرفا كما هنا ، أو جملة كقول العرب : منا ظعن ومنا أقام .
وقوله
كنا طرائق قددا تشبيه بليغ ، شبه تخالف الأحوال والعقائد بالطرائق تفضي كل واحدة منها إلى مكان لا تفضي إليه الأخرى .
وطرائق : جمع طريقة ، والطريقة هي الطريق ، ولعلها تختص بالطريق الواسع الواضح ؛ لأن التاء للتأكيد مثل دار ودارة ، ومثل مقام ومقامة ، ولذلك شبه بها أفلاك الكواكب في قوله تعالى
ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ووصفت بالمثلى في قوله
ويذهبا بطريقتكم المثلى .
ووصف طرائق بـ ( قددا ) ، وهو اسم جمع قدة بكسر القاف وتشديد
[ ص: 233 ] الدال ، والقدة : القطعة من جلد ونحوه المقطوعة طولا كالسير ، شبهت الطرائق في كثرتها بالقدد المقتطعة من الجلد يقطعها صانع حبال القد كانوا يقيدون بها الأسرى .
والمعنى : أنهم يدعون إخوتهم إلى وحدة الاعتقاد باقتفاء هدى الإسلام ، فالخبر مستعمل في التعريض بذم الاختلاف بين القوم وأن على القوم أن يتحدوا ويتطلبوا الحق ليكون اتحادهم على الحق .
وليس المقصود منه فائدة الخبر ؛ لأن المخاطبين يعلمون ذلك ، والتوكيد بـ ( إن ) متوجه إلى المعنى التعريضي .