وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا القول فيه كالقول في
فذرني ومن يكذب بهذا الحديث في سورة القلم ، أي : دعني وإياهم ، أي : لا تهتم بتكذيبهم ولا تشتغل بتكرير الرد عليهم ولا تغضب ولا تسبهم فأنا أكفيكهم .
وانتصب المكذبين على المفعول معه ، والواو واو المعية .
والمكذبون هم من عناهم بضمير ( يقولون ) ( واهجرهم ) ، وهم المكذبون للنبيء - صلى الله عليه وسلم - من
أهل مكة ، فهو إظهار في مقام الإضمار لإفادة أن التكذيب هو سبب هذا التهديد .
ووصفهم بـ أولي النعمة توبيخا لهم بأنهم كذبوا لغرورهم وبطرهم بسعة حالهم ، وتهديدا لهم بأن الذي قال
ذرني والمكذبين سيزيل عنهم ذلك التنعم .
وفي هذا الوصف تعريض بالتهكم ؛ ؛ لأنهم كانوا يعدون سعة العيش ووفرة المال
[ ص: 270 ] كمالا ، وكانوا يعيرون الذين آمنوا بالخصاصة قال تعالى
إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون الآيات ، وقال تعالى
والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام .
والنعمة : هنا بفتح النون باتفاق القراء . وهي اسم للترفه ، وجمعها أنعم ، بفتح الهمزة وضم العين .
وأما النعمة ، بكسر النون ، فاسم للحالة الملائمة لرغبة الإنسان من عافية وأمن ورزق ، ونحو ذلك من الغائب . وجمعها : نعم ، بكسر النون وفتح العين ، وتجمع جمع سلامة على نعمات بكسر النون وبفتح العين لجمهور العرب . وتكسر العين في لغة
أهل الحجاز كسرة إتباع .
والنعمة : بضم النون ، اسم للمسرة فيجوز أن تجمع على نعم على أنه اسم جمع ، ويجوز أن تجمع على نعم ، بضم ففتح مثل : غرفة وغرف ، وهو مطرد في الوزن .
وجعلهم ذوي النعمة - المفتوحة النون - للإشارة إلى أن
قصارى حظهم في هذه الحياة هي النعمة ، أي : الانطلاق في العيش بلا ضيق ، والاستظلال بالبيوت والجنات ، والإقبال على لذيذ الطعوم ولذائذ الانبساط إلى النساء والخمر والميسر ، وهم معرضون عن كمالات النفس ولذة الاهتداء والمعرفة قال تعالى
أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا وتعريف النعمة للعهد .
والتمهيل : الإمهال الشديد ، والإمهال : التأجيل وتأخير العقوبة ، وهو مترتب في المعنى على قوله
وذرني والمكذبين ، أي : وانتظر أن ننتصر لك كقوله تعالى
ولا تستعجل لهم .
و ( قليلا ) : وصف لمصدر محذوف ، أي : تمهيلا قليلا . وانتصب على المفعول المطلق .