ولربك فاصبر تثبيت للنبيء - صلى الله عليه وسلم - على تحمل ما يلقاه من أذى المشركين وعلى مشاق الدعوة .
والصبر : ثبات النفس وتحملها المشاق والآلام ونحوها .
ومصدر الصبر وما يشتق منه يتضمن معنى التحمل للشيء الشاق .
ويعدى فعل الصبر إلى اسم الذي يتحمله الصابر بحرف ( على ) ، يقال : صبر على الأذى . ويتضمن معنى الخضوع للشيء الشاق فيعدى إلى اسم ما يتحمله الصابر باللام . ومناسبة المقام ترجح إحدى التعديتين ، فلا يقال : اصبر على الله ، ويقال : اصبر على حكم الله ، أو لحكم الله . فيجوز أن تكون اللام في قوله ( لربك ) لتعدية فعل الصبر على تقدير مضاف . أي : اصبر لأمره وتكاليف وحيه كما قال
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا في سورة الطور ، وقوله
واصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا في سورة الإنسان ، فيناسب نداءه بـ
يا أيها المدثر ؛ لأنه تدثر من شدة وقع رؤية الملك ، وترك ذكر المضاف لتذهب النفس إلى كل ما هو من شأن المضاف إليه مما يتعلق بالمخاطب .
[ ص: 300 ] ويجوز أن تكون اللام للتعليل ، وحذف متعلق فعل الصبر ، أي : اصبر لأجل ربك على كل ما يشق عليك .
وتقديم ( لربك ) على ( اصبر ) للاهتمام بالأمور التي يصبر لأجلها مع الرعاية على الفاصلة ، وجعل بعضهم اللام في ( لربك ) لام التعليل ، أي : اصبر على أذاهم لأجله ، فيكون في معنى : إنه يصبر توكلا على أن الله يتولى جزاءهم ، وهذا مبني على أن سبب نزول السورة ما لحق النبيء - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين .
والصبر تقدم عند قوله تعالى
واستعينوا بالصبر والصلاة في البقرة .
وفي التعبير عن الله بوصف ربك إيماء إلى أن هذا الصبر بر بالمولى وطاعة له .
فهذه ست وصايا أوصى الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - في مبدأ رسالته وهي من جوامع القرآن أراد الله بها تزكية رسوله وجعلها قدوة لأمته .